TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > الوجوديون العراقيون الأوائل .. مقهى(الواق واق) في الأعظمية

الوجوديون العراقيون الأوائل .. مقهى(الواق واق) في الأعظمية

نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 03:58 م

كريم مروّة تقع مدينة الكاظميةعلى ضفاف نهر دجلة. معلومة جغرافية عراقية لا تعني العراقيين. بل هي تعنيني أنا بالذات، في هذا الحديث عن ذكرياتي في المدينة. الأماكن السكنية كانت، في الفترة التي كنت أقيم فيها في تلك المدينة في أواخر أربعينيات القرن الفائت، تبتعد قليلاً عن النهر، وتتجه شمالاً. أي أن كثافة البنيان كانت تقترب من «الحضرة»، هذا ما بدا لي فور وصولي إليها، وبدء إقامتي في منزل نسيبي حسين مروة، المنزل الذي كان يقع على مقربة من «الحضرة»،
 المقام الديني الذي يضم ضريح الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد. لم تكن الكاظمية، كما أذكر، تتسع لمطامحي في مطالع العمر، في ذلك التاريخ. لذلك كانت بغداد هي طريقي الأرحب إلى عالم المعرفة، المعرفة بكل ما كانت مطامحي تشدني إليه في العالم المعاصر خصوصاً، وفي التاريخ القديم كذلك. والطريق الذي كان عليّ أن أسلكه للوصول إلى بغداد يقضي بأن أجتاز نهر دجلة. وكان يربط الكاظمية ببغداد جسر خشبي، تكاد تشعر وأنت تعبره، مشياً على الأقدام، أو بإحدى الحافلات، كأنك مهدد بالوقوع في أي لحظة وسط النهر، الذي كانت مياهه المنسابة ستقودك، إذا ما وقعت فريسة لجريانها، إلى ما لا تعرف من أماكن في الأعماق وفي الأبعاد. لكن ذلك الجسر الخشبي كان، رغم ما كانت تشير إليه اهتزازاته وقعقعة جوانبه وضجيجها، أميناً على حياة العابرين فوقه، وقوياً يستعصي على التفكك والإنهيار. إلا أن الوصول إلى قلب بغداد، عبر ذلك الجسر الخشبي، كان يقضي بالمرور الإلزامي في حي الأعظمية. والميزة الأساسية لحي الأعظمية إنما تكمن في أنه يحتضن مقام الإمام أبي حنيفة. وكان ذلك المقام يقع في الطرف الغربي من ساحة كبيرة، لا أعرف أين أصبحت الآن وسط زحام الأحداث. وكان يقع في الطرف الشرقي من الساحة المقر العام لأمانة العاصمة. أثار فضولي، وأنا أعبر للمرة الأولى ذلك الجسر الذي يربط الكاظمية ببغداد، ما شاهدته من تشابه ومن اختلاف بين المعالم الدينية والعمرانية في كل من مدينة الكاظمية، وحي الأعظمية. وكان عليّ أن أبحث عن الطريق الموصل إلى اكتشاف السر الكامن في تلك المعالم في الضفة الشمالية من النهر، وفي الضفة الجنوبية منه، بالإختلاف وبالتشابه بين الضفتين وبين تلك المعالم ذاتها. لكنني لم أتابع ذلك البحث، بعد أن استقر بي المقام في العراق، وبعد أن تعمقت علاقتي ببغداد، المتعددة طوائفها، ومذاهبها، والمتعددة القوميات غير العربية فيها. وكان دليلي الطبيعي في ذلك الحين، إلى الكثير من المعارف وإلى الكثير من العلاقات، ابن عمي ورفيق عمري نزار مروة، الإبن البكر لحسين مروة. ذلك أننا كنا نجتاز الطريق ذاته كل صباح إلى بغداد، أنا إلى المدرسة «الجعفرية»، مدرستي، وهو إلى مدرسة «شمّاش» اليهودية، مدرسته. وكان أبو نزار رفيقنا في الطريق ذاته وفي الوقت ذاته وفي الإتجاه ذاته لإلقاء محاضراته في عدد غير قليل من مدارس بغداد، ومن بينها «الجعفرية» و«شمّاش»، فضلاً عن ممارسة مهنته الكتابية في صحف ومجلات تلك الفترة من حياته وحياتنا في العراق، في الربع الأخير من أربعينيات القرن الماضي. كنا، نزار وأنا، شغوفين في متابعة النشاط الأدبي. كنا، في ذلك الحين، مشاريع أدباء. وكنا، في الوقت ذاته، نحرص على إقامة علاقات مع من كانوا أصدقاء حسين مروة من أدباء تلك الحقبة من تاريخ العراق، الكبار منهم، والناشئون. وكنا نمارس الكتابة، كل على طريقته، في الميدان الأدبي، إبداعاً وترجمة. وكانت جريدتا «الرأي العام» و«الأخبار»، في ملحقيهما الأدبيين، المنبرين اللذين كنا نمارس فيهما بدايات اهتماماتنا الأدبية، قراءة ونشراً. وكنا نتابع ما كان ينشر في المجلات الأخرى، لا سيما «الهاتف» لمؤسسها جعفر الخليلي، و«الحضارة» لمؤسسها محمد حسن الصوري. كان بلند الحيدري، في ذلك الزمن، قد بدأ يشق طريقه كشاعر حداثي. وكان قد أصدر أول ديوان له بعنوان «خفقة الطين». وكان قد أنشأ مع عدد من الأدباء والفنانين الشباب جمعية أعطوها صفة المقهى الذي كانوا يلتقون فيه، «مقهى الواق واق»، تشبهاً بـ«جزيرة الواق واق» الأسطورية. واختاروا لهذا المقهى موقعاً وسطاً في حي الأعظمية بين طرفي ساحتها، أي بين مقام الإمام أبي حنيفة، ومقر أمانة العاصمة، وفي الجهة الجنوبية تحديداً. قررنا، نزار وأنا، أن نقيم علاقة مع تلك الثلة من أدباء وفناني تلك الحقبة، ليس للإنتماء إليها بالضرورة، بل للإستفادة من النقاشات التي كانت تجري بين أعضائها، عندما كانوا يلتقون في ذلك المقهى، الإستفادة بالإستماع وبالإستمتاع فقط. كانت الثلة مؤلفة من الشاعر بلند الحيدري ومن شقيقه صفاء الحيدري الشاعر البوهيمي، ومن المثقف القادم حديثاً من فرنسا ابراهيم اليتيّم، حاملاً معه حصيلة ما كان قد اكتسبه من ثقافة في عاصمة الثقافة العالمية، ومشيراً، خلال حديثه باللغة الفرنسية وباللهجة الباريسية، إلى أنه الإبن البار لتلك العاصمة ولثقافتها وللغتها وللهجتها، التي تجعل الراء غيناً. وكان من بين الثلة كذلك النحات خالد الرحال، والشاعر نزار سَليم، شقيق النحات جواد سَليم، الذي لم يكن قد عاد من أوروبا حاملاً معه تراثه الذي سرعان ما صار واحداً م

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram