TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > غريزة المقهى

غريزة المقهى

نشر في: 2 نوفمبر, 2009: 04:04 م

مالك المطلبي *يحمل شريط الارض، المتخذ تسمية تاريخية (شارع الرشيد) يحمل على طول ظهره ظاهرة المقاهي. البلدية، الزهاوي، فحسن عجمي، فالبرلمان، فالبرازيلية، فالبيضاء، (تقبع البيضاء في حجر ابي نواس وشارع ابي نواس ليس سوى التسمية الليلية لشارع الرشيد).. *ارجو ان يتنبه القارئ، الى انني ربطت مقاهي النص، بالفاء، وان مغزى ذلك ان الترتيب يعني ان نصعد من البلدية الى البيضاء، ولايمكن عكس الامر، وهذا ما سيتضح في مستقبل هذه الكتابة.
 (1) قبل عقدين كانت العلاقة بين (دجلة) و(المقاهي) ذات طابع اجتماعي (تبادلي)، بين حشدين من سكان البروسكان الماء كانت العلاقة اشبه بحوار تتخلله ابنية، اما الان فقد ادار دجلة ظهره احتجاجا على مجازر الحيوان النقدية (المطاعم) ومخازن الرطوبة (موبيليات سوق هرج) التي استبدلت بالمقاهي هذه. ويا للاسف! فنحن نتحدث عن كائنات اكثرها مات، او شاخ، او اختفى (مات البلدية عجوزا، والزهاوي حي، لكنه اقرب شبها الى مومياء، منه الى مقهى، وحسن عجمي كشف رأسه! والبرلمان انتحر، والبرازيلية تقاعد، اما مقهى البيضاء فكان موته عبارة عن اختفاء غامض).. حشد من الحيوات بأمكنتها زال من البسيطة! ولم يبق منه سوى آثار مطمورة تحت جلودنا. (2) على الرغم من ان تاريخ المقاهي قريب، فانه يبدو، عبر قانون الزوال، تاريخا كهفيا، هكذا تبدو المقاهي الان: في طبقة من طبقات الذاكرة! محشورة مع جمع من الاموات والاحياء (واصغرهم كهل) وكأنهم صور شارع الرشيد التي تجمدت بالابيض والاسود، وهي تعطينا احساسا بأننا احياء، اكثر مما تعطينا احساسا بأن سكان الصور، اموات!.. فما اقوم به الان لاينتمي الا لعلم الاثار الذهني، الذي يحاول تفكيك (دال) المقهى القديم، المكون من الاف الخطى القصيرة، التي امحت في فراغ الكنبات، متحدة بملايين ضربات خرز السبحات، بملايين الكلمات التي تكون، دائما، ارباع جمل! بالزجاج الخارجي الممسوح، ابدا، بالفضول المتبادل بين الجالس والسائر، بالمشاريع الادبية التي لاتنمو! بغريزة الشرب، نعم للمقهى غريزة، شأنه شأن الحيوان، لكنها غريزة وحيدة، وليست منظومة غرائز انها غريزة الشرب. بعض الاحيان، لاسيما في مقهى الظلام المختلف (البلدية)، في حدة الظهيرة، نحس، نحن الذين لانظهر الا جالسين، او نائمين (الوقوف هو الممنوع الوحيد في المقهى) نحس بفوران غريزة الشرب، وهي تصفر كقطار موشك، على الاصطدام من فوهات غلايات الماء الابيض، والشاي، والحامض والدارسين، وسحبها فوق الرؤوس لتكون ما يشبه مطرا لاينزل!. (3) كان شارع الرشيد عبارة عن امبراطورية للمقاهي (قبل ان يتحول الى مجازر الحيوان النقدية، ومخازن الرطوبة) تشكل البلدية قدمي الامبراطورية، وحسن عجمي والزهاوي حوضها، والبرلمان سرتها والبرازيلية صدرها، والبيضاء وجهها! ولايمكن ان نبدأ بوصف قدمي جسد الامبراطورية من البيضاء، لان الوصف سيصاب بالكساح! فالبيضاء منطقة رخوة، كأنها خلية نقاط على وشك ان تطير، اما البلدية فعبارة عن جدار سجن، يمكن الاتكاء عليه بثقة. (4) يربط المقاهي الستة (تابو) مركزي: هو التحريم الانثوي، ان ذكورية مقاهي شارع الرشيد، ماكانت الا ان تمارس، على وفق قوانين التوازن الجنسي، الانحراف، لكن سلطة الادب في المقاهي، تلك السلطة التي تراود رواد المقاهي من غير الادباء، كانت تحد من الانحراف. وفي عقدنا (من 1959 إلى 1969) لم تنتهك المرحلة الذكورية (دخول الانثى) الا مرتين! وقد حصل، في حينها، ما يكون عصرين جيولوجيين في تاريخ هذه المقاهي، وسنعرض لهذا، في مستقبل هذه الكتابة. البلدية: مكان الظلام المختلف يبدأ الظلام من الخلف، في مقهى البلدية، كثيفا، ثم يفتر في الوسط، اما حلق المقهى، فمضاء اضاءة باهتة بخطوط شمسية تائهة!. عادل كاظم، واحمد المفرجي، وسركون بولص، وحكمت الدراجي، وشريف الربيعي، وعمران القيسي وخالد يوسف وعلى مرمى منهم عميان وقراء مقام، كنا نعقد الحلقة في المنطقة المضيئة، وكنا اشخاصا مترسبين من انشطار العصر الجمهوري توا، نحاول اختبار الصلات من جديد!. لا امتلك ذاكرة عن البلدية ولهذا سأسير بمحاذاة الذاكرة: كان عادل كاظم (الكاتب المسرحي الاوفر حظا من الشهرة الان) وهو يشرب الناركيلة، يعدنا بعظمة قادمة! وكان سركون بولص كله اشارة الى حرب تحرير في الضلع العمودي للشعر! وحكمت الدراجي على وشك ان يؤسس حزبا! واحمد فياض المفرجي ينظر من شرفة. ويالنظراته! حين طبع كتابه (الحركة المسرحية في العراق) آنذاك! والسيد الوحيد الذي انشق علينا، وانتقل من المنطقة المضيئة الى المنطقة الفاترة! هو غازي الاحمدي، حين كتب الوجودية مذهب انساني! والتعليق الوحيد الذي كنا نسمعه، ينتهك سلطة الاقتحام الفلسفي، للاحمدي الذي تركنا مدة نشك في معنى الادب، كان يطلقه نزار عباس! وبتعليقات نزار عباس، وظهور الادب الوجودي اعيدت (الفلسفة) وغازي الاحمدي الى الوراء! وهذا هو مكانهما الطبيعي. كان عمران القيسي وشريف الربيعي، يملآن الحلقة بالاهتزاز! اما الوجود الاعظم (الحصيري) فلم يكن قد تشكل بعد أن كان عبارة عن سلسلة من الغارات غير المنتظمة، التي لم تكن في حينها، تثير الانتباه لكن تلك الغارات، ادخلت، بعد ذلك في سجل افعاله الغليظة، لتكوّن منه: (حيوان المقاهي) بلا منازع: ذلك الذي يصرخ في البرازيليلة، ويغير على البلدية، وينام في حسن عجمي، ويستيقظ في البرلمان، ويهدأ في الزهاوي، ويخطب في البيضاء ويقايض

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram