جميل الجبوري لعلها مسألة لابد من مواجهتها تلك التي تتأتى من رأي اراه والتزم به يضع حدودا بين الشعر الشعبي والشعر العامي يرسم لكل منهما كيانه المستقل وسماته المميزة. فالشعر الشعبي – عندي- هو كل (ابداع) تحصن بالقاعدة وتسربل بالجمال، وخضع لتلك الاسس التي رسمها الدارسون والمصنفون لالوان الشعر الشعبي معتمدين على تفاصيل متفق عليها واشكال واساليب معروفة،
وهي- في ذلك كله- وسيلتها لغة الشعب المحكية، والمتداولة وغير المعربة. اما الشعر العامي فهو لون آخر، نعم، انه يعتمد (اللغة المحكية) وسيلة للتعبير لكنه يضع لنفسه قواعد الشعر، ويخولها ان تعبر على سجيتها وحسب مقتضيات الحال وما تستوجبه طبيعة المقال. تلك – فيما ارى- خلاصة مركزة لمنظوري في التراثين الشعبي والعامي.. وهو رأي ولد بعد دراسات كثيرة ومقارنات جادة، ثم بعد الوقوف على المصادر التي تناولت الموضوع بالتحليل والدراسة. ولعل الملا عبود الكرخي كان ابرز من رسم لشعره اطاره وحدد سماته واستطاع ان يطرق اسماع الناس، خاصتهم وعامتهم على السواء، ذلك ان له لونه الخاص كما ان له فنه المتميز، فلقد استقى (لهجة العامة) اقوالا واحاديث وامثالا وحكما واستطاع ان (يكيفها) وفق مايريد ويرغب. ولكنه – استطاع ايضا- ان يجعلها سائغة وجميلة، في احايين كثيرة، فهي خفيفة على السمع، قريبة الى القلب، متوافقة مع الرأي العام. ومن هنا تتأتى اهمية الكرخي في كتاب الادب العراقي، كل فنون الادب اعني، ومنها – ايضا- يتفرد وحده في فن من فنون الادب اسمح لنفسي ان اسميه (الشعر العامي).. المتميز، والدال، والمتداول، وبالشكل الذي يفرض نفسه، مثلا وحكمة، واشارة، وربما (شتيمة) ايضا. وتأسيسا على ذلك، فان شعر (الملا عبود الكرخي) شعر عامي لامراء، ولكنه يعيش حيوات الناس، خاصتهم وعامتهم، على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية، ومن هنا حق له ان يتصدر (امارة) هذا الشعر العامي الرائق الجميل. ولانه كان كذلك، وبجدارة، فقد لقي من كبار أساطين الادب والشعر والصحافة اشادة به، وتقديراً لشعره، واعجابا بفنه الذي يتميز به. وللعلامة الشيخ الاستاذ (محمد بهجة الاثري) رأي في هذا اللون من فنون الادب يحسن بنا ان نقف عند بعض فقراته. يقول (الشيخ) في مقدمة كتبها للجزء الاول من ديوان الكرخي بعنوان: العامية والفصحى. نحن حين تنبو اذواقنا عن اللغة العامية المكتوبة وآدابها المدونة انما نخضع لحكم العادة، وطبيعة الاكتساب، فالعامية ليست بالنابية في ذاتها، وادبها ليس بالادب المجفو البغيض، ولكن العادة غالبة، والذوق متأثر الى مدى بعيد بما اعتاد من ممارسة الفصحى مقيدة والعامية مطلقة. وهذا هو التعليل الذي نعلل به هذه النبوة في اذواق الخاصة عن الادب العامي. ومهما يكن من جفاء ادباء الفصحى عندنا لهذا الادب العامي فانه هو ادب جمهرة سكان هذه البلاد، يتذوقه مئة في المئة منهم، اذ يبلغ التعبير عما تجيش به عواطفهم مالا يبلغه هذا الادب الفصيح الذي يعلو افقه عن متناول مدارك الجماهير. وعن شعر الكرخي يقول: والشاعر قدير بلا شك، وهو رافع لواء الشعر العامي في العراق غير منازع في تقدمه ومنزلته بين الشعراء، وشعره صورة للمجتمع، فان فيه كثيرا من الحقائق الاجتماعية والسياسية وفق في تصويرها الى مدى كبير.. وبصورة لنفسه ايضا، تعبر عن نوازعه وطبائعه وذكائه وبداهاته، ومفاكهاته والتفاتات ذهنه. ويرى الاستاذ (فهمي المدرس) ان الكرخي جمع في اسلوبه بين لغة العوام وما يقارب اللغة الفصحى، تدريبا للعوام على الفصيح من القول، وهو اسلوب حديث في الادب العامي. ويشيد به (الرصافي) ويقول: اذا اردت ان تعرف ماهي عواطف السواد الاعظم من كل امة وماهي عاداتهم التي يجرون عليها والمنازع التي ينزعون اليها فانظر في ادبيات عوامها فانها هي التي تمثل لك حالتهم الاجتماعية تمثيلا صحيحا لاغبار عليه. ويضيف: وقد انتهت الشهرة في الشعر العامي اليوم في العراق الى حضرة صديقنا الملا عبود الكرخي الشاعر المطبوع الذي طالما احدثت قصائده الرنانة ارتجاجا في مجامع العامة وابتهاجا في نفوس الخاصة في انحاء القطر العراقي، فهو جدير بأن يعد نابغة العراق في الشعر العامي على الاطلاق. ويسميه (شاعر الامة) ويقول فيه شعرا: لله درك يا (عبود) من رجل يارافعا في القوافي راية الزجل جريت جري قدير في مزالقه لم تخش من زلق فيه ولازلل الى ان يقول فاستقصي جهدك فيما انت قائله في الشعر من وصف مافي القوم من علل فان شعرك مرآة يلوح بها مافي الطبائع من جود ومن بخل كما يسميه (الزهاوي) بـ(شاعر الشعب).. ويناديه: (عبود) ان عدت الافذاذ في بلد فأنت في اول الافذاذ الافذاذ معدود (عبود) شعرك لولا ماء رقته لعلقته على لباتها القيد خلدت شعرك اذ جددت كسوته من البيان، وفي التجديد تخليد فتحت للشعر ابوابا ولا عجب ففي يمينك للشعر المقاليد ... الى اخر القصيدة. ويشيد به الاستاذ (رفائيل بطي) ويقول: واعجابي عظيم بأمير الشعر العامي (الملا عبود الكرخي) لانه شاعر يتغلغل شعره في طبقات الامة كلها، وهو يكنز في اشعاره ثروة طائلة من احساس العامة وصور افكارها ونظراتها الى الحياة، وهو يمثل عيشة طبقات الشعب ذات الصيغة المحلية البحتة، اكثر ما يمثلها اعظم شاعر عندنا من شعراء الفصاحة العدنانية، وهم كثر اولئك الذين تحدثوا عنه ا
الملا عبود الكرخي قراءة في منهجه الشعري
نشر في: 4 نوفمبر, 2009: 02:56 م