TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الـحـســنــاء والــوحـــش مــن جــديـــد

الـحـســنــاء والــوحـــش مــن جــديـــد

نشر في: 4 نوفمبر, 2009: 05:23 م

فراس الشاروطما أن أختارها المخرج القدير (ستانلي كوبريك) مع زوجها السابق في فيلمه الإشكالي (عيون مغلقة بأتساع)عام 1999 حتى تغيرت مسيرة النجمة (نيكول كدمان) وأصبحت أكثر رسوخا ووعيا في اختيار الأدوار والدليل على ذلك مجموعة الأفلام التي مثلتها وأسماء المخرجين الذين عملت معهم (الطاحونة الحمراء، الآخرون، الساعات، الغريزة البشرية ، دوغ فيلا)
 ومخرجين من أمثال (غاس فان سات، ولارس فون تيرنر) عكس مسيرة زوجها السابق توم كروز الذي يحاول قدر الأمكان أن يشكل حضورا أكثر رونقا وهيبة أو في الأقل أن يعود لإطلالاته الجميلة الأولى . وبعد تجربتها الرائعة مع المخرج ستيفن دالدري في فيلم الساعات، تعود مرة أخرى إلى التمثيل في دور مأخوذ عن سيرة ذاتية وهذه المرة مع المخرج (ستيفن شونبرغ) في فيلم (الفراء) المبني على حكاية مصورة الهامشيين الفوتوغرافية (ديان أربوس) وهو فيلم يذكرنا في الكثير من مضامينه بفيلم (جان كوكتو) الشهير (الجميلة والوحش) وأكثر في إيحاءاته بالمسلسل الشهير الذي عرض عندنا أواسط الثمانينيات من القرن الماضي والذي حمل أيضا عنوان (الحسناء والوحش) ولكن فيلم الفراء يختلف بمقطع مفصلي كونه يمزج حكاية بطلته المتخيلة بسرد تفصيلي لحياة (ديان أربوس) المصورة اليهودية التي انتحرت عام 1971. يرتكز الفيلم في بنائه على السيرة الذاتية لبطلته –وموضوع السيرة هذا أصبح هو الأثير في عالم صناعة الأفلام- ألا أنه ينحو بعيدا في التفاصيل المختارة من عالم ألذات لتكون عالما من التأمل في التفاصيل التي عاشتها (ديان) بين حاضر الشخصيات وماضيها، البطلة تعيش في عالم خيالي يفرضه عليها عالمها الواقعي السطحي كابنة تاجر فراء ثري، وزوجة مصور فوتوغرافي محترف بين هذه العوالم تنشأ الحكاية التي بنيت حيث العلاقة العميقة بين حياة بطلته الغريبة وجارها الأكثر غرابة والذي يسكن الطابق العلوي من المبنى الذي تسكنه مع عائلتها،هذا الجار الذي يغطي وجهه بقناع لا يظهر منه سوى العينين، والذي يتسبب دائما بمشكلة في أنابيب الصرف الصحي حيث تسد مجاري المياه بقطع كثيرة من (الشعر)، هذه المشكلة الغريبة هي التي تجذب (ديان) لعالم هذا الجار الوحش ونكتشف معها أنه مصاب بمرض يجعل كل جسده مكسوا بالشعر والذي يشكل من جهة أخرى فراء شخصيا بشريا. عالم هذا الجار ينطوي على علاقات غريبة مع أناس شوهت مظهرهم الحياة لكن قلوبهم نقية، صافية وطيبة، مكونات هذا العالم الغريب هي التي تجعل من صور ديان أربوس الفوتوغرافية صوراً ناطقة ومعبرة عن الجمالية العجيبة في القبح وعن الشاعرية في الشواذ، أنها أشارة كي نمعن أكثر في العادي، في صور أربوس هنالك أقزام وعمالقة وتوائم سيامية وأناس عاديون جدا، وبسطاء، لكن عيونهم تشع بالأمل وحب الحياة، هذه العوالم التي وثقتها (ديان) في صورها كانت هي نفسها عوالم أصدقاء الرجل المكسو بالشعر والذين عرفتهم وعرفوها من خلاله، نبذت حياتها، زوجها وأطفالها، لتعيش معهم، حيث وجدت معهم بساطة الحياة وكينونة البشر الحقيقية فوثقتهم في صورها لتغدو ديان أربوس واحدة من أمهر وأشهر الفوتوغرافيين في العالم. في المشهد الأخير حين تبدأ ديان بإزالة الشعر عن جسد الرجل الوحش بموس الحلاقة، يضعنا الفيلم في تساؤل فلسفي/ جمالي عن العلاقة بين الداخل /الخارج، البشري/ الحيواني، الخارج/الجسد المرعب المكسو بالشعر، القبيح، الذي من خجله يغطيه بالملابس وحتى الوجه يغطيه بقناع، شكل حيواني مكسو بالفراء البشري كالفراء الذي يجمعه والدها من صيد الحيوانات ليكون أكثر ثراء وليكون مشتهى وجمالياً وسط عالم التجارة والمال، هذا الخارجي القبيح يكون داخلياً/ روحياً أكثر رقة وبريقا وجمالا وبريقا. التناقض هذا محور الفيلم هو الذي أغرى (ديان أربوس) لتوثقه فوتوغرافيا، الخارجي المشوه الذي لو تأملنا فيه عميقا لرأيناه كم هو جميل ومختلف، أربوس تذهب بعيدا إلى زوايا مخفية في الأشياء فتردد في الفيلم: - أفضل شيء عندي هو الذهاب إلى حيث لم أذهب بعد. عالم ديان أربوس الاجتماعي يقودنا لقراءة قسوة البشر مع بعضهم المختلف، تعارض المادية مع الذوات الإنسانية التي تتشابك مع بعضها بقوانين الربح والخسارة نابذين الطيبة والجمالية في الروح المكنونة بالبشر، أنه عالم تشيؤ الجسد وتسليع الأشياء وصناعة الرموز وتجاهل الإنسانية الحقيقية، ليخضع الجميع ويكونوا ماركات تجارية. هذا العالم الذي نبذته ديان وقشطت بموس الحلاقة عالمه الوحشي ليبدو نقيا وصافيا، وعندما يموت البطل/ النقاء تذهب كما قالت في الحوار بعيدا للبحث عن الجمال في عالم عار من الملابس/الفراء/ الشعر، عالم مثالي الكل فيه بلا ملابس سوى ذواتهم الحقيقية يعيشون ويحبون ويولدون ويموتون ثم يعيشون ويحبون ويولدون ويموتون وهكذا عالم ربما يشبه الجنة حيث الحدائق الغناء والأنهار ونقاء البشر، ألجنه بعريها البشري والطبيعي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram