اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العالم العربي والطرد المركزي للأدمغة

العالم العربي والطرد المركزي للأدمغة

نشر في: 6 نوفمبر, 2009: 04:08 م

محمد الدعميللمرء أن يزعم أن ظاهرة نزيف العقول أو الأدمغة تشكل مؤشراً مهماً لما تعانيه المنطقة برمتها من حال اللا استقرار والخوف الهاجسي من الحروب والصراعات الدموية، الإقليمية والبينية، وحتى الداخلية أو الأهلية. ثمة شعور وسواسي يخامر أصحاب الكفاءات يفيد أن الشرق الأوسط بأغلب كياناته السياسية،
 مقبل على سنوات سود من الفوضى والصدامات المسلحة و اللااستقرار . مثل هذا الشعور لم يكن موجوداً أو متوقعاً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ كان الصراع العربي الإسرائيلي شأناً قابلاً للتأجيل وحتى للإغفال، شأناً لا يتعدى حدود المبارزات اللفظية والتحديات الإذاعية (التي بزّ بها العرب سواهم من الأمم)، حتى اندلاع حرب 5 يونيو/ حزيران إذ قدمت تلك الهزيمة المريرة جوازات السفر لعدد من الأحزاب والحركات السياسية باتجاه الهيمنة على السلطات في بلدان عدة باسم “تحرير فلسطين” وتحت شعار “كل شيء من أجل المعركة”. وهكذا بقيت هذه الأنظمة الطارئة على السلطة بانقلابات عسكرية سود جاثمة على صدور الشعوب العربية المبتلاة بها في انتظار “تحرير القدس”، وفي انتظار المعركة الحاسمة التي لم تحدث ولا يبدو بأنها ستحدث كي يعبأ كل شيء من أجلها. وهكذا راحت بعض الدول العربية تفقد ما كان كافياً لاستمالة العقول الذكية والعبقرية للبقاء في أوطانها، حتى صار انتظار المعركة الحاسمة شيئاً غيبياً مبهماً: إذ لا ندري متى ستندلع؟ مع من؟ إذ سرعان ما حمل الزمان لنا أعداءً جدداً لم يكونوا يخطرون على بال أحد، بينما حملت لنا السنون معارك فرعية كانت دفينة غير قابلة للملاحظة: منها المعارك الطائفية والمعارك البينية والنزاعات الحدودية والخصومات المذهبية أو الإثنية إلى آخر قائمة المعارك التي لا تنتهي. كيف لنا إذاً أن نتوقع، ليس من أصحاب الكفاءات والعقول المستنيرة أن تخفق من تشخيص أمراض المنطقة التي لا تبشر بغير الشرور والتشاؤم؟! الأنظمة الثورية التي شحنت الجماهير وزرعتها على أرصفة الشوارع “في انتظار المعركة” أو “لتحطيم مؤامرات الاستعمار” سرعان ما استدرجت هذه الأنظمة المزيفة إلى المنافسات البينية المبتناة على التخوين، الأمر الذي قادها إلى الإخفاق في قيادة شعوبها نحو الحياة الطيبة والمستقرة: كل ذلك جرى “في انتظار المعركة”، حتى سيقت هذه الشعوب نحو غياهب الأزمات الاقتصادية والقحط والحصارات، الأمر الذي قاد إلى عملية “طرد مركزي” منظم للعقول الذكية والمتخصصة من الجامعات العربية التي تحولت إلى حقول ملغومة بالبوليس السري الذي قد يأتيك بالنبأ العظيم من تلميذك أو تلميذتك أو من زميلك أو زميلتك في الجامعة! وهكذا راح مشوار انتظار المعركة يطول ليتحول إلى نوع من الاستحالة إلى حال من الخوف والرعب الدائمين بسبب المعارك التي اصطنعتها تلك الأنظمة الانقلابية الطارئة كي تعسكر المجتمعات المنكوبة بها وتحيل الدرس الجامعي والبحث العلمي إلى مسيرات استعراض عسكري: “يس يم” أي “شمال يمين”، فإذا بالكفاءات النادرة تساق إلى ساحات الجامعات كالخراف في مسيرات عسكرية حتى تأتي المعركة بينما يراقب جلاوزة تلك الأنظمة هذه الكفاءات المهانة بنوع من اللذة والتشفي، وكأن العقول الذكية إنما هي “عدو تلقائي” للأنظمة الشمولية الحمقاء. لاحظ أنه في مناسبة طريفة، عندما كان يساق أساتذة الجامعات العراقية إلى الميزان، بغض النظر عن مرتابتهم العلمية، بهدف وزنهم وتقرير فيما إذا كانوا لائقين جسدياً، قام أحد الصحفيين باستراق اللقطات الصورية لهؤلاء الأساتذة وهم ينتزعون أحذيتهم فتتبين جواريبهم الممزقة كي ينشرها في اليوم التالي في الصحيفة، كناية عن ضعف حال الأستاذ الاقتصادي. وإذا بالبوليس السري يزور هذا الصحفي بعد منتصف الليل ليحتفظ به إلى ما لا نهاية. في هذه اللحظة التاريخية وأثناء “معارك التحرير” الثانوية كتحرير “الأحواز وعربستان” و”الأسكندرونة” من بين سواها من الأراضي العربية السليبة، لعبت دول الخليج العربي الفتية والغنية بالبترول دوراً تسكينياً وتهديئياً على سبيل الاحتفاظ بما بقي للعرب من عقول مستنيرة وكفاءات جديدة، إذ أنها أتاحت فرص التوظيف لأعداد لا بأس بها من هذه العقول، الأمر الذي خفف من وطأة “إخفاق الرؤية "لدى هذه العقول. إلا أن هذه الحال لا يمكن أن تدوم طويلاً نظراً لتنامي مخرجات وأعداد هذه العقول وبسبب تعاظم وعبور الأمراض الاجتماعية الحدود الدولية من بلد عربي لآخر دون حاجة لتأشيرات دخول أو خروج! إن الذي لم يفهمه “الثوريون العرب” هو أنهم لا ثوريون ولا هم يحزنون، وإنما هم شراذم من بقايا أنظمة اجتماعية أبوية طللية حافظت بكل بداوة وتعامٍ على جميع شوائب البادية التي جاء منها الثوار المزيفون ليتحكموا بمصائر شعوبهم في العالم العربي المسكين. إن أية مراجعة للمشهد العام في العالم العربي سترينا كم عقد أو كم قرن قادنا الثوريون إلى الوراء، ذلك أنهم هم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram