TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > أدونيس يراجع التاريخ عبر جسد المرأة

أدونيس يراجع التاريخ عبر جسد المرأة

نشر في: 6 نوفمبر, 2009: 05:11 م

حاتم الصكرالعمل الشعري الأخير لأدونيس: تاريخ يتمزق في جسد امرأة ( دار الساقي2007)، يمكن أن يكون تكراراً لقراءته للتاريخ شعرياً ، والتاريخ العربي خاصة، بعد أن توالت قراءات أدونيس له نثراً في (الثابت والمتحول) ، وشعرياً في أجزاء عمله الضخم :
 (الكتاب) عن حياة المتنبي وشعره.وهي قراءة تدين مجريات الماضي المتخذ هيئة التاريخ ، و القائمة سياسياً على سنن العسف والقمع والتغييب ، رغم أن أدونيس نفسه أسهم في كشف الإضاءات المتقدمة لاسيما في الشعر الموروث ( مختاراته من ديوان الشعر العربي) والنثر الإشراقي (دراساته عن المتون الصوفية في الصوفية والسوريالية وتنبيهاته على المواقف والمخاطبات وسواها) وهي إشارات تندرج خارج الموجة الإجترارية والمحكومة بنسق سلطوي في هذا التاريخ الدموي كما يلخصه في( الكتاب) ، أو كما يصفه في إحدى قصائده بأنه تاريخ معمّى وحطام ، في زمن أعمى . الاحتكاك بالتاريخ وبناه المعرفية ومعتقداته تتم عبر محور الحرية التي ينذر أدونيس نفسه وشعره لها مبكراً ، ليس في اختياره قصيدة النثر والتبشير بها فحسب ، بل باصطدامه بالبنى المهيمنة على العقلية العربية ، والشعر والفكر في مقدمتها ، وفي اختيار الرموز والأقنعة والمرايا الثورية والمهمّشة والمنبوذة في التاريخ الرسمي أيضاً، و في الأسئلة التي يثيرها قارئاً وكاتباً حول القناعات واليقين المستقر والمُصادِر للآخر. والمرأة إحدى أبرز نقاط اصطدام أدونيس ومشروعه التحديثي بالجماعة ومألوفها الاجتراري ، سواء في الملفوظ الشعري له وحضور المرأة فاعلا في الحب والحياة والرفض ، أو في أطروحاته النظرية حول المجتمع والفن والحياة والثورة والتقليد والإبداع. هنا يتمحور عمل أدونيس حول المرأة من زاوية الجسد الذي تصوره الثقافة الموروثة والمحكومة بالممنوعات والتابوات ، بما يمكن أن يكون احتكاما للوظائف المسندة إليها والمحددات المحيطة بها ، تحديداً دونيأً لدورها كنوع إنساني لا مجرد جنس قسيم للذكر(=أنثى) . والعنوان في العمل كعتبة مهمة وموجّه قراءة قوي ودالّ يوحي بذلك ، فالتاريخ يتمزق في جسد امرأة، يتلاشى مِزقاً بعد أن قرأناه أمجاداً ومفاخر و عنتريات فارغة، وخذلانه وبيان زيفه يتضح عبر جسد امرأة ، نبذه الضمير الجمعي وحوّله إلى مسكوت عنه ضمن منظومة المغيبات التي تتعلق بالمرأة التي يراد لها أن تؤدي دوراً محدوداً بالإنجاب وتلبية الغرائز من طرف واحد. امرأة أدونيس التي يحاكم التاريخ من خلال جسدها لا تريد هذا الدور، وترفض الزعم أو التصور السائد حولها : زعموا أنني خلقت لكي لا أكون سوى ذلك الإناء لاحتضان المنيّ كأني مجرد حقلٍ وحرثً: جسدي من غثاءٍ وحيض وحياتي تجري مرةً صرخةً ، مرةً مُومأة ولماذا إذن يكتب الكونُ أسرارَهُ بيدي عاشقٍ؟ ولماذا إذ يولد الأنبياء في فراش امرأة؟ وهذا السؤال الملخّص للفكرة عن إرادة حصرها في خدمة الغريزة والحفاظ الطبيعي على النسل، يناقض كونها حاضنة للأنبياء والعشاق من رسل المحبة. في عتبة ( الاستهلال ) كما سمّاها أدونيس – المدرك لتقنيات النص المعروض للقراءة وعَتباته وموجّهاته – يعرفنا عبر (صوت) بما سيقص علينا في عمله: هذهِ سيرةُ امرأةٍ عبدةٍ وابنها نُفيت ، لا لشيءٍ سوى أنها كسرت قيدها، ويُحكى أنها زُوجت لنبي وأن ابنها صار من بعدها نبياً لم يجيء في تعاليمه أنها حُرّرت إن الإعلان عن ستراتيجية العمل بأنه سيرة لِعَبدةٍ وابنها ، ومجيء المرأة بصيغة التنكير ليؤكد أن أدونيس في موقف تاريخي عام لا ظرفي خاص ، فهو لا يعرض حالة المرأة المشخّصة أو المتعيّنة في شعره ، بل يتصدى لحالة ( امرأة ) بالتنكير ، هي المرمّزة لجنسها والنائبة عنه عبر التاريخ كله، كما أن ابنها هو البشري الذي يحكي عنه جبران كثيرا كابن للحرية والذي مسخته العبوديات التي وجدها بعد ولادته الأرضية . لكن امرأة أدونيس التي تمارس أيضا بعض دورها الأمومي كما أراد لها خطاب الرجل ، فتحضر لا بجسدها الذي تمتلكه كرغبة ، بل كأم يرافقها ولد لن يذكر في تعاليمه حين يكبر ويشرّع الدساتير والقوانين والأعراف أنها أصبحت حرة ، فظل وجودها الحياتي مرهونا بالعبودية ، كما كان وجودها النصي داخل العمل كذلك في بداية الاستهلال وختامه ، عبدةً للرجل ولصورتها التي رسمها لها هو وللدور الذي أسنده لها. السيرة النسوية إذاً ستمر عبر الجسد وقبل استفاقتها الواعية وإحساسها به سيقرر الراوية في الصفحة التالية للاستهلال إلى ما يقيّد المرأة من جهتي زوجِها وابنها: إنها امرأةً : مرة ً قيدُها طفلُها. مراراً قيدُها زوجُها ولكنها مع ذلك تكون ضحيتهما ، في النهاية ، فلا تستطيع العيش بأنوثتها –جسدها ، لأنها تعاقَب بالختان( كلّ مختونةٍ جثةُ) وبقمع رغبتها(إنني كفراشةِ ليل خطايَ شمعة)، وغربتها عن زوجها ( وأهفو إلى عاشق يكون صديقا) ، بينما في نهاية القصيدة تهجم الجماهير على المرأة لتقتلها رجماً بالحجارة ، كما حصل لسواها من نساء التاريخ اللواتي قلن : لا، فتموت ومعها طفلها الذي لاقى مصيرها نفسه في النهاية.. تختم الجوقة القصيدة بالتعليق على ما جرى للمرأة في القصيدة- التاريخ: إنها وابنها أسيران في ظلمات ، بدايتها ل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram