توفيق التميمي الإبداع، الدين، السياسة، الجنس بالتعاون مع شانتال شوّاف لا يفاجئ ادونيس قارئه بتلك الكثافة من الاسئلة المقلقة والمراجعة الصارمة لاقنومات الشعر ووظيفته التي ينبغي ان يكون عليها والتاريخ ومكانة الرمز في الحاضر الى غير ذلك من الثيمات التي يثيرها ”ادونيس“ بمشاكسته المعروفة للمألوف والموروث البالي في كتابه الجديد”الهوية غير المكتملة“.
يكتب ادونيس كتابه هذه المرة بلغة صديقته ”شانتال شوّاف“ الفرنسية في اثبات يتباهى ادونيس به على الدوام.. بامتلاكه لناصية حبه للغة خاصة تخترق حجب الحضارة اوالموروث وتنتزع اعجاب الاخر بكل انتماءاته. يفتتح ادونيس انثيالته وثيماته بالمطلق والمفردة الاكبر في لغتنا البشرية ”الله” الذي لا يمكن الوصول الى دلالاتها النهائية سوى الشعراء القديسين ولذا تراه يقول بدون تحفظ ”لعل الادب هو الميدان الذي يتحتم عليه ان نبحث فيه وان ما تكون عليه روحانية جديدة، انبعاث روحي جديد يبث الدماء في عروق كوكبنا الشائخ” ص8 وهنا وبطرافة يحاول ادونيس ان يقارب العنف الماثل في العالم والمتجسد باشكال متنوعة الى ”نمذجة “ الله وتماثل هيئته.. ولهذا فهو يرى ويعتقد بان حرب الاديان التاريخية هي حرب للدفاع عن هذه النمذجة القسرية لله.. وبرأي أدونيس”فان الله قادر وحده..على الدفاع عن نفسه، لذا فهو ليس بحاجة الى جنود ودبابات، وحاجاته اقل ايضاً الى انتحاريين وفدائيين للدفاع عن نفسه“. ادونيس يبرئ الله المطلع عن دنس المتشدقين بهذه الكلمة العظيمة التي لا يدرك اسرارها الا القديسون والشعراء. حقيقة الحوار الغربي - العربي عندما ينتقد ادونيس العرب لا ينتقدهم بوصفهم كائنات انسانية.. بل بوصفهم مؤسسة او نظاماً. وفي اتساق المعنى المجرد.. فانه يتحدث عن دورة كاملة يبدو الحديث منفرداً عن واحدة من حلقاتها حديثاً عبثياً وبلا معنى. اولى هذه الحلقات الابوة البطريريكية المتحكمة في السلطتين الدينية والمدنية على السواء.. وثانيهما الحوار المتعثر والمخاتل واللامتكافئ ما بين العرب والغرب وثالثهما وهو ما يؤرق ادونيس ويشكل واحداً من همومه المزمنة هو وظيفة الشعر في الحضارة المعاصرة. في الحلقة الاولى لا مناص من تقويض السلطة البطريركية وتحطيم قداسة الالوهية فهما الحل لعروبة مهشمة بدائية-تقابل النموذجي البطريركي الاميركي. اميركا هي الاله الصغير للعالم الجديد.. عندنا مازال الرئيس هو الاب- الاله الذي يدور حوله الابناء والبلاد والجيش والماضي والحاضر. وفي الحلقة الثانية تكمن المأساة في حوارنا مع الغرب بتفضيله حواراً وتدجينا للاصوليين والمعادين للديمقراطية ومع الاباء الدكتاتوريين.. على حوار مع فلول الديمقراطيين وشتات الليبراليين. لان في هذا الحوار تكريساً مرغوباً للتفوق الغربي ودوام لمصالحه.. التي لا تتقاطع مع نزعات الاصوليين الاباء والحكام.. مادامت ضامنة لعقدهم ونوازعهم الشريرة ورغبتهم في الحكم والعماء الايدلوجي.. وسط مثل هذه العلاقة المشينة وهي علاقة التابع والمتبوع.. ووسط الحقيقة المرة بحقيقة السلطة يسعى ادونيس لتأسيس جدوى الشعر والبحث عن وظيفة دلالية له داخل هذه المحتدمات دوراً لا يتعلق بالكلام واللغة فقط بل بما يمكن ايجاده من بدائل في العلاقات و الثقافة والحوار. ويزعم ادونيس ان لشعره هذه الميزات التثويرية والتمردية ومن هنا كان يتنبأ بامتياز ادونيسي قبل ان يسقط صدام نهائياً ويزول عن المشهد”من المشين على الصعيد العربي ترك شخص دنيء يقود هذا البلد المسمى العراق مثل صدام حسين“ص21 وهنا يبدو ان ادونيس يعول على وظيفة للشعر مغالى به كثيراً. السياسة عندنا وامل الديمقراطية السياسة عندنا حتى هذه اللحظة التاريخية هي التطابق المجحف بايدلوجيا الحكم والنظام.. حتى لو تحولت هذه الايدلوجية الى آليات لتعذيب البشر والاستئثار باموالهم والتعارض مع هذه الايدلوجية يعد نوعاً من المروق الديني الذي يستحق القتل والنفي.. هذه السياسة لا تزال تسوق شعارت كاذبة وخادعة مثل القومية، الحرية، الاشتراكية.. الى غير ذلك من اللغو والهذيانات والديمقراطية التي يبشر لها ادونيس في مدار هويته غير المكتملة هي ديمقراطية التصوف والعشق والرغبة في الجمال المطلق..لا ديمقراطية النفاق والمزايدات. طريقة واحدة للثورة المعاصرة هو الوقوف بوجه هذه العودة المشؤومة للدين من كلا الجانبين اليهود والعرب.. فهو يرى ان الدين حسب مفهوم هذه الجماعات هو عبارة عن اقطاعات معزولة عن بعضها مكتفية بصحة عقائدها وتكفير الاخرى.. يغيب العقل ويحضر محله الانفعال. ومن هنا فالعولمة هي الخطوة الاولى لتقويض الاقطاعيات المتحاربة ويمكن للشعراء ان يواصلوا هذه الثورة.. بتأسٍ حلمي كوني تنضوي تحت ظلاله كل التنوعات البشرية وليس كما يفعل التبليغ القسري للاديان وصناعات مؤسسات خاصة بها. العودة للبوذية في العالم لا يمكن ان نفهمها الا بالعودة المضادة للاديان.. لان الناس تريد حرية فردية.. مسلوبة من قوى كثيرة ومنها المؤسسة الدينية.. الادب المزيف تماهي الادب مع الواقع هو المشارفة لتخوم الزيف وقرب موت الادب بكل اشكاله التعبيرية وانكساره في معركة السوق والسلع الانتاجية ودليل ساط
أدونيس والبحث عن الهوية غير المكتملة
نشر في: 6 نوفمبر, 2009: 05:13 م