درجت الحكومة البريطانية منذ سنوات على ان تتيح للباحثين والصحفيين في ختام كل عام ميلادي فرصة الاطلاع على وثائقها ومدوناتها السرية التي اقتضت الضرورات حجبها وعدم اعلانها للعالم، ولما كانت هذه الوثائق من مواد التاريخ الاساسية التي يتوجب على من صدرت في زمانهم ان تتيح للاجيال التالية الوقوف عليها والافادة منها في تدوين التاريخ الحقيقي المعزز باسانيده الموثوقة،
خاصة ان نشر هذه الوثائق بعد مضي ربع قرن او اكثر لايلحق ضررا بأحد ولايشكل خطرا على مصلحة!. *وكان نصيب التاريخ العراقي من الوثائق التي نشرت مؤخرا كبيرا فقد بدأت بعض الصحف بنشر الوثائق الخاصة بالتمهيد لعقد (معاهدة بورتسموث) على يد رئيس الوزراء العراقي صالح جبر كما بدأت بعض الصحف الاخرى بنشر الوثائق المتعلقة بالاحداث التي مهدت لاندلاع ثورة 14 تموز ومادار من مداولات بين بعض قادة هذه الثورة والوزراء الذين تولوا المسؤولية بعد نجاحها وبين الدبلوماسيين البريطانيين والامريكان الذين كانوا انذاك في العراق وبين ممثلي شركات النفط اكبر مؤسسة احتكارية مدعومة بالاستعمار ولماذا كان (تطمين هذه الشركات على مصالحها) ومصالح اسيادها في الطليعة من الاعمال والاقوال التي صدرت من المسؤولين يومذاك؟! *ولا اريد هنا التعليق على الوثائق الخاصة بالتمهيد للثورة التموزية لعدم اكتمال نشر الكثير منها مع كثرة الكتب العربية التي صدرت عنها بل سأعلق على بعض ما اعلم من (خلفيات) الوثائق الخاصة ببعض الوقائع السابقة لعقد معاهدة (بورتسموث) لانني اعتقد ان بعض ما نشر منها قد اختلط بما اراد المترجم ان يقوله هو بالذات وان لم تكن الوثائق قد توخته!. *فقد جاء فيما نشرته الصحف ان عبد الاله اراد مكافأة صالح جبر- على مساندته له يوم فر الى البصرة خلال ثورة مايس 1941 وكاد قادة الثورة ان يبطشوا به فعينه رئيسا للوزراء خلفا لنوري السعيد بعد ان ارتفع حجمه الى المستوى الذي اثار ريبة عبدالاله فحرض انصاره من (اعيان) و(نواب) على شن اعنف حملة برلمانية ضده دفعته الى تقديم استقالة وزارته، ولكن عبدالاله لم يقبل الاستقالة وواصل تحريض اعوانه على مهاجمته فتقدم باستقالة لم يكتب اشد منها في التنديد بمعارضيه وكونهم محرضين من البلاط وكان عبدالاله اشد مكرا منه فاحتفظ بالاستقالة الثانية وقبل الاستقالة الاولى (الهادئة)!. *ان الامير عبدالاله لم يكن قادرا على قبول استقالة نوري سعيد وترشيح صالح جبر لولا ان السفارة البريطانية في بغداد ارادت ذلك لان الاول لو كان يريد مكافأة صالح جبر لما قبل برفض اقتراحه على وزارة جميل المدفعي التي جاءت بعد الاطاحة بثورة مايس وتعيينه لمنصب رئيس الديوان الملكي لان الوزير ابراهيم كمال المحسوب على بعض اركان السفارة البريطانية يومذاك اعترض على هذا الاقتراح كما ان عبدالاله لو كان يريد مكافأة صالح جبر لما امكنه الاعتراض على تعيينه مديرا عاما للكمارك والمكوس وهو منصب لا يستكثر عليه كوزير سابق وكموظف ادارة العمل في مؤسسات حكومية كبير. *اقول ان الانكليز في عهد حزب العمال وبرغبة زعيم هذا الحزب (اتلي) هم الذين ارادوا المجيء بصالح جبر لاعتقادهم بانه اكثر شعبية من نوري السعيد واكثر قدرة على اقناع الشعب بالمعاهدة التي كانوا يعتزمون عقدها مع العراق وفي اوراق كامل الجادرجي اشارة الى ذلك حيث قال انه سمع من حميد اسد خان احد الرجال المتصلين بالانكليز ان بعض المسؤولين في السفارة سألوه عما اذا كان الوقت قد حان للاتيان بصالح جبر رئيسا للوزراء فاجابهم بأن الوقت لم يحن بعد وجاء فيما نشرته الصحف نقلا عن الوثائق البريطانية ان صالح جبر كان واقعا تحت نفوذ زوجته من (ال جريان) شيوخ عشيرة (البو سلطان) في الحلة وايد ذلك عبدالكريم الازري الوزير السابق في الجزء الاول من مذكراته ولكنه خلال ثورة مايس الوطنية سنة 1941 وحين كان متصرفا (محافظا) للبصرة ابان هروب عبدالاله اليها لم يكن قد تزوج بعد وحين اعتقلته السلطات وعزلته من منصبه اصر بعض الضباط على انزال اقسى العقوبات بحقه!. *ثم جرت تدخلات لدى السلطات ادت الى الافراج عنه وتمكينه من السفر الى ايران أما كيف تم ذلك فقد علمت من المرحوم الشيخ عبود الهيمص ان عديله عبدالمحسن الجريان طلب منه ان يتوسط لدى رشيد عالي الكيلاني رئيس حكومة الدفاع الوطني والذي يعتبر (الهيمص) من اعوانه يومذاك ان ينقذ زوج ابنة عمه المنتظر صالح جبر فسعى هو وبعض شيوخ العشاير من اعوان الكيلاني وفي مقدمتهم عبدالواحد الحاج سكر لانقاذ صالح جبر فنجح مسعاهم بعد ان امضى سبعة ايام موقوفا. *ومن الطريف ان صالح جبر استدان مبلغ 300 دينار من محمد جواد عجينة احد التجار المعروفين وكان كفيلاه سعد صالح وعلي الشرقي وهما من اصدقائه الخلص ولكن دورة الفلك جعلت هذين الشخصين من اكثر الخصوم لصالح جبر في القوابل من الايام ومهما يقال عن ان صالح جبر استفاد من نفوذ اصهاره ال جريان فهو قول مبالغ فيه لانه اصهر اليهم بعد ان استوزر اكثر من مرة بل العكس هو الصحيح فقد اضاف اليهم ايام اشرافه على الانتخابات عضوية ثانية في مجلس النواب كانت من حصة غيرهم من رؤساء (البو سلطان) وحتى (المؤتمر العشايري) الذي انعقد في الحلة بحجة (الدفاع عن فلسطين) انما عقد لاظهار التأييد لوزارة صالح جبر الاولى ولقد كان هذا المؤتمر من افشل المؤتمرات سواء في الغ
ذكريات (ايام زمان):حين كانت السفارة البريطانية تحكمنا
نشر في: 8 نوفمبر, 2009: 03:55 م