هنالك من المؤرخين او من يكتبون في الموضوعات التاريخية- نفر يضعون مقدما النتائج التي تروقهم او يؤمنون بها لسبب من الاسباب، ومن ثم يحاولون اثبات تلك النتائج، والبحث عن الادلة التي تؤيدها، وبناء استنتاجاتهم على قرائن واهية او وهمية،،
وماهذا بمنهج صحيح في كتابة التاريخ، ولا في معالجة موضوعاته. ومن الامور التي كانت الى وقت قريب- والى سنة 1967 في الاقل- مجهولة نوعما، امران يتعلقان بانقلاب بكر صدقي الذي وقع في سنة 1936 وهما: هل كانت بريطانيا على علم سابق بهذا الانقلاب، وهل كان الملك غازي على علم سابق به، اما بعد سنة 1967، اي بعد تغيير القانون الخاص بفتح الوثائق البريطانية فلا وجه للقول بان التساؤل عن الامرين واولهما بصورة خاصة، بقي الجواب عنه مشكوكا فيه او يشوبه غموض. ومهما كان موقفنا من انقلاب بكر صدقي باعتباره انقلابا عسكريا غير مرغوب فيه، ومهما كان رأينا في اتجاهات بكر صدقي التي لم تكن متمشية مع الخط القومي العربي، ذلك الخط الذي كان واضحا في سياسة ياسين الهاشمي، فان ذلك لايسوغ للمؤرخ ان يقفز الى استنتاجات اعتباطية، في حالة وجود الادلة الصريحة القاطعة. ولما كان التساؤل يتعلق ببريطانية ومدى علمها السابق بالانقلاب، فان الوثائق البريطانية، بطبيعة الحال هي المرجع الذي يلقي الضوء على هذا الموضوع، وان تقارير السفير البريطاني في بغداد في ايام الانقلاب الى حكومته وهي تقارير لم تكتب للنشر، ولم يكن السفير ليتوقع اطلاع احد عليها قبل مرور خمسين عاما، وكذلك التعليقات المدونة على هذه التقارير في وزارة الخارجية البريطانية بأقلام المسؤولين واضحة جميعا في هذا الشأن كل الوضوح، ولاتترك مجالا لاي شك فيه. على اننا قبل ان نلقي نظرة على برقيات السفير وتقاريره الى حكومته على اثر وقوع الانقلاب، نجد في تقاريره التي سبقت وقوعه، ارتياحا تاما لوزارة ياسين الهاشمي التي اطاح بها الانقلا ب، والتي كان نوري السعيد وزيرا للخارجية فيها، فقد كان اجتماع ياسين الهاشمي ونوري السعيد في وزارة واحدة وضعا مثاليا بالنسبة لبريطانية، الاول لامتصاصه المعارضة الداخلية ضدها بسبب ماعرف من اتجاهه القومي، الثاني لضمان المصالح البريطانية من ان يسيء اليها ياسين واعوانه. ولما وقع الانقلاب صبيحة يوم 29 تشرين الاول سنة 1936، طير السفير- على اثر سماعه باخباره، البرقية الاتية الى وزارة الخارجية: في ساعة مبكرة من صباح هذا اليوم القت طائرات القوة الجوية الملكية العراقية مناشير على بغداد بتوقيع بكر صدقي تعلن بانه (طلب اليه) الاطاحة بالحكومة، وبعد ذلك بمدة قصيرة سلمت الى البلاط رسالة موقعة من بكر صدقي وقواد الفرق الاخرين، حملها حكمت سليمان، تدعو الملك غازي الى اقالة الوزارة خلال ثلاث ساعات، وتعيين حكمت سليمان رئيسا للوزراء، وتقول انه اذا لم يتم ذلك فان الجيش الذي كان محتشدا بسبب المناورات على بعد 60 ميلا تقريبا شمال شرقي بغداد، سيزحف على العاصمة. 2-في الساعة العاشرة صباحا ارسل الملك بطلبي لبيان الموقف، وكان رأيه ان المقاومة ستكون عقيمة، وان استقالة الوزارة التي كانت بين يديه يجب قبولها. 3-كانت نصيحتي ان على جلالته قبل كل شيء اقناع الجنرالات بالعدول عن الزحف الى بغداد.. الخ. وبعد ساعات قلائل، عاد السفير فارسل برقية اخرى جاء فيها: في الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم القيت اربع قنابل من الطائرات على مكاتب الحكومة، حدثت اصابات قليلة، وقد اخليت المكاتب سريعا.. الخ. فما هي الاجراءات التي اتخذت في لندن على هاتين البرقيتين؟. ان العادة التي كانت متبعة في وزارة الخارجية البريطانية في ذلك الوقت ولعلها ماتزال متبعة حتى الان هي ان تقدم البرقية او التقرير الى الموظف المسؤول عن شؤون العراق او اي بلد يصل منه التقرير فيرفع هذا الموظف التقرير او البرقية الى رئيسه المباشر وهو في حالة العراق مدير الدائرة الشرقية بعد ان يدون عليها ملاحظاته وتعليقاته ويرفقها بالسوابق التي يرى انها قد تفيد في فهم الموضوع او في اتخاذ قرار او اجراء بشأنه فاذا وجد مدير الدائرة الشرقية انها تقع في حدود صلاحياته بت في امرها، او قرر صيغة الجواب الذي ينبغي ارساله عنها، ولكنه ان وجدها اهم من ذلك، او تخرج عن نطاق صلاحياته، رفعها الى وكيل الوزارة المساعد المشرف على الدائرة الشرقية، ويقوم هذا بدوره بالبت فيها او رفعها الى وكيل الوزارة الدائم ليبت فيها او يرفعها الى وزير الخارجية، حسب ما تقتضي اهمية الموضوع. ولما وصلت برقية السفير الى الوزارة، رفعها المستر جي، جي، وارد المسؤول عن شؤون العراق، مع مطالعة في سبع فقرات، الى المستر جورج رندل، مدير الدائرة الشرقية، وقد جاء في الفقرة الاولى من المطالعة ما يأتي: 1-ا انحس تطور جاء كمفاجأة تامة لوزارة الطيران وللسفارة بقدر ماهو لنا، وعلى الرغم من ان عدم الارتياح بين العشائر على الفرات، والى حد مابين العشائر الكردية في الشمال، كان يسبب بعض العبء على الحكومة في الاونة الاخيرة، فانه لم يكن هنالك مايوحي بحدوث انقلاب من هذا النوع وقد جاء في التقرير السياسي الاخير من بغداد ان ياسين باشا واثق بسرور من مستقبله. وجاء في الفقرة (4) من هذه ا
من اوراق الباحث نجدة فتحي صفوة: هل كان لبريطانيا علم سابق بانقلاب بكر صدقي؟
نشر في: 8 نوفمبر, 2009: 04:01 م