TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > آفــــــاق الـــكـــتـــابـــــــة

آفــــــاق الـــكـــتـــابـــــــة

نشر في: 8 نوفمبر, 2009: 05:18 م

محمد سعيد الصكار سحبت قرائي قبل أيام من همومهم العامة إلى الحديث عن ( مجسّات القلم ) الذي عرض معاني القلم ووجوه استخدامه وما يرافقها من حالات؛ واليوم سأسحبهم إلى مدار آخر للتخفيف من أزمات ما يحيق بأيامهم من ضروب المشاكل التي لا أملك حلاًّ لها؛
فأنقلهم إلى قضايا أخرى تخرجهم من همومهم اليومية التي تشغلهم كما تشغلني، وتدخل في إطار وعيهم الثقافي. أعني أنني سأواصل حديث القلم بحديث (الكتابة)، ولا أعني الكتابة الإبداعية أو الإنشائية، وإنما أقصد ما نكتبه بالقلم، فأقول: يخلط الكثيرون مفهوم (الخط) بمفهوم (الكتابة)، حين يقولون إن فلاناً (خطه جميل)، ويقصدون أن (كتابته جميلة)، وهذا ناتج من التباس المصطحات الشائعة في معارفنا. والمسافة بين الكتابة والخط شاسعة، من الناحية الزمنية والناحية الجمالية . فالكتابة تسبق الخط زمنياً ولا تلحق به جمالياً؛ ذلك أنها لا تشترط الجمال بقدر ما تشترط الوضوح، فالناس تكتب الرسائل لإبلاغ الطرف الآخر بأمور تهمها، ومتى ما تحقق لها ذلك ففيه الكفاية. والكتابة بهذا المعنى محدودة الآفاق، بطيئة التطور، خالية من القواعد والشروط الفنية، في حين أن للخط أوضاعاً أخرى ترتبط بنشأته التي جاءت بعد زمان بعيد من نشأة الكتابة التي لا نعرف، على وجه الدقّة، بدايتها. الخط العربي نشأ مع بداية التدوين القرآني؛ فقبل الإسلام لم يكن هناك ( خط ) ، وإنما كانت هناك كتابة، وكان ( النساخون ) هم الذين يضطلعون بها، ولم يكن مصطلح الخط والخطاطين معروفاً . وعندما جاء الإسلام، وبدأت حركة التدوين القرآني، راح النساخون يجوّدون كتاباتهم إكراماً لنص كتابهم المقدس ( القرآن ) ، وصاروا يبتكرون للحروف أشكالاً جميلة تختلف عن أشكال الكتابة السابقة، وصار الناسخ يرى أن لحرف النون، مثلاً، معنى روحانيّاً وربانيّاً لا يكتفي بخطه كدائرة في وسطها نقطة، فهو حرف أقسم الله به، ويجدر أن يأخذ شكلاً أجمل يناسب ما منحه الله إياه حين أقسم به. وهكذا راح النساخون يتنافسون في الإبتكار والتجويد حتى تكونت لديهم مجموعة غنيّة من الأشكال الفريدة التي أدّت إلى التنسيق والتصنيف، وقادت إلى وضع شروط وقوانين فنية، عُرفت فيما بعد بقواعد الخط العربي. هذه القواعد وُضعت على أيدي كوكبة من (النساخين) الذين أطلق عليهم في هذا الوقت إسم (الخطاطين) تمييزاً لهم عن الكتبة والنساخين الذين عُنوا بنسخ الرسائل والمخطوطات دون الخط. بعد هذه المحاولات الجادّة والمتواصلة على مدى ما يقرب من أربعة قرون، استقرّ للخط العربي ذلك الثراء الفني الباذخ الذي ننعم به في أيامنا، والذي يقوم على شروط وقواعد فنية، ينبغي للخطاط أن يتقنها، ويتشبّع بجمالها، ويبحث عن صيغ تطويرها ونقلها إلى حاجة العصر. على أنني أرى أن الخطاطين العرب والمسلمين، في زماننا، لم يواصلوا ما بدأ به أسلافهم، فهم لم يضيفوا جديداً كما أضاف العثمانيون إلى تراثنا الخطي من الخط الديواني وجلي الديواني والرقعة، بالإضافة إلى البراعة في التركيب وحسن التعامل مع فراغات النصوص. فالرغبة في الإضافة والتطوير ما زالت في دور التخبط والمحاولات الساذجة التي تفتقر إلى معرفة ما يحيط بالخط من شروط فنية معاصرة، كالإحاطة بالفنون المجاورة، كمعرفة آفاق الفنون التشكيلية، والفنون الطباعية، وفنون التصميم والإعلان، وما تتيحه التكنولوجيا الحديثة، والتعامل مع فضاء اللوحة باستخدام الكتلة والفراغ، وكيمياء الألوان، وغيرها من مقوّمات اللوحة؛ فقد ذهب زمان تحضير الحبر من السخام، وتلميع الورق بالبيض وتصحيح الغلط باللطع، وما إلى ذلك مما كان شائعاً قبل توفر البدائل المعاصرة التي يأبى بعض الخطاطين استعمالها. برامج تصميم الحروف الطباعية الآن تتيح مجالاً مفتوحاً لمصممي الحروف أن يأتوا بما يحبون من أشكال، ولكن الطريف والمؤلم هو كونها تنحو إلى استعمال أصناف الكتابة اليدوية، وهذا توجه مقبول، ولكنه يشترط أن تكون طفولية ساذجة، سأماً من حروف الخط العربي، ولذلك فهي تأتي بحروف هجينة تصعب قراءتها على الكبار فكيف بالتلاميذ في غياب الكراسات الخطية التي تعلمهم أصول الخط والكتابة كما علمتنا . إن البساطة والجمال أمر مطلوب في هذا الشأن كما في غيره، ولكن التماسه من خلال التشويه المقصود، طمعاً بالتمايز، لا مبرر له . ومرد ّ ذلك في نظري، إلى قِصر نَفَس المعنيين بشؤون النشر في استقصاء جماليات الخط العربي، فالعالم يهرول، والناس تريد أن تغنم ما يُتاح لها، أسوة مع الراكضين في مجالات الحياة الراكضة . ولا أريد أن تفلت مني فرصة الإشارة إلى واقع كون الكثير ممن يتولون شؤون النشر يفتقرون إلى الحس الجمالي للتمييز بين الخط والكتابة، وبين جماليات كل منهما والإنتفاع بخصائصهما الفنية . ويستطيع القارئ والمشاهد أن يرى الكثير من هذا الجهل الذي يختبئ وراء ادّعاء التحديث والتجديد والتبسيط "، في الصحف والتلفزيونات والمواقع الألكترونية ليرى العديد مما تتعذر قراءته، وتنفر منه العين . والحديث عن الخط والكتابة ذو سعة لا تكفيها هذه العجالة . ولذلك ألتمس ممن يستأنس بهذا النص ويريد التعقيب عليه، أن يسعفني، إذا استطاع، بعنوانه الألكتروني، للتواصل وتبادل الرأي إذا أسعفت الظر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram