اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > جدل العلاقة بين الاستبداد والعبودية الطوعية

جدل العلاقة بين الاستبداد والعبودية الطوعية

نشر في: 9 نوفمبر, 2009: 04:59 م

د.عبد الجبار الرفاعي لم يظهر مصطلح المستبد الا في القرن الخامس قبل الميلاد، ابان الحرب الفارسية الهيلينية، وكانت كلمة المستبد despot المشتقة من الكلمة اليونانيةdepotes مستعملة بمعنى رب الأسرة، او سيد المنزل، او السيد على عبيده، ثم خرجت الى المجال السياسي، ليوصف بها نمط من الحكم المطلق، الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه بمثابة سلطة الأب على أبنائه في الأسرة، او السيد على عبيده(1).
وفي القرن الثامن عشر جعل مونتسكيو (1689-1755) الاستبداد احد الأشكال الأساسية للحكم بموازاة الحكومتين الملكية والجمهورية. فبينما تسود المساواة في الحقوق بين الجميع في النظام الجمهوري الديمقراطي، تتفشى في الاستبداد مساواة من نوع آخر كما يقول مونتسكيو، اذ (يتمتع جميع الناس هنا بالمساواة، لا لانهم كل شيء، كما هو الحال في الديمقراطية، بل لانهم لا شيء، انه إزالة المراتب بوساطة التسوية العامة)(2)، ويتمتع الحاكم في الاستبداد بحرية مطلقة، تتيح له التصرف بلا حدود او قوانين او قواعد، فيما تسري على جميع أفراد الشعب عبودية تسلبهم ابسط الحقوق البشرية، ويخضع كل شيء في حياتهم لنزوات وأهواء ورغبات المستبد، ذلك ان الدولة تختصر في شخصه، انه الدولة كلها. ان الحكم أو النظام الاستبدادي يمثل شكلا من أشكال الاحتلال الكامل للشخص، والاستعمار الداخلي للمجتمع، بنحو يستقل فيه فرد طاغية في التسلط على بقية افراد الشعب، من دون ان يخضع لقانون، ويتحكم في حياة المواطنين، ويحرص على صياغة وعيهم، وتكييف مشاعرهم، وتلوين أحلامهم، بما يكرس سلطته ويمددها على كل شيء، من دون ان يستثني حقلا في البلد من هيمنته. وتطغى في فضاء الاستبداد غلبة الفرد على المجتمع، وغلبة القوة على الإجماع، وغلبة الايدولوجيا على الواقع، وغلبة الكاريزما على المسار الموضوعي للتاريخ، وغلبة الواجب على الحق، وغلبة الحكومي على الاجتماعي، واتساع مفهوم الدولة واضمحلال مفهوم الحرية. وبكلمة موجزة يفضي الاستبداد الى اختزال الفرد في المجتمع، واختزال المجتمع في الدولة، واختزال الدولة في شخص الحاكم. ويتغلغل الاستبداد في المجتمع، وفي العائلة، والجماعات والأحزاب، والمجتمعات، والدول، وان الخلاص من الاستبداد لا يتحقق الا عبر تفكيك نسيجه الكامن في بنية العائلة، وجميع التنظيمات السياسية والنقابية والمهنية. كما يتطلب التحرر من الاستبداد اكتشاف أنماطه في السياسة والاقتصاد والدين والفكر، فالاستبداد السياسي وان كان أبشع ألوانه، لكنه يتوكأ على الاستبداد الديني والاقتصادي والثقافي، فلا خلاص من الاستبداد الا بالخلاص من ثقافة الاستبداد، والمعتقدات والمقولات والمفاهيم، ومجموع الروافد المعرفية التي يستقي منها، وتكمن في اللاهوت الكلاسيكي ابرز روافد ثقافة الاستبداد. وتعود الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتفشى في الاجتماع الاستبدادي الى بنى نفسية واجتماعية كامنة وعميقة في حياة الناس، وهي تشكل مرتكزات وأسس هذا النمط من الحكم، وحسب تعبير الكواكبي (المستبدون يتولاهم مستبد، والأحرار يتولاهم حر، وهذا صريح معنى: كيفما تكونوا يولَ عليكم)(3). ويرتبط الاستبداد ارتباطا عضويا بالعبودية الطوعية، واستعداد الناس للانصياع للطاغية، وتمجيده، وتبجيله، ورغبتهم في الخضوع له، واستعارة أسماء وصفات الله وخلعها على المستبد، وحسبما يراه الخبراء في الأسس السيكولوجية للسلطة، فإن الجماهير هي التي ترضخ للاضطهاد وتطلب السيطرة عليها، وان الذي يقودها الى ذلك هو متعة الخضوع ولذة الانقياد الراسخة في النفس البشرية، أي ان الناس هم الذين ينذرون أنفسهم للخدمة والعبودية الطوعية. استبداد سياسي أم ديني؟ ويشدد الكثير من الباحثين والدارسين على ان الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، وانه ما من مستبد سياسي الا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، او تعطيه مقاماً ذا علاقة مع الله. ويحكمون بأن بين الاستبداديين السياسي والديني مقارنة لا تنفك، متى وجد احدهما في امة جر الآخر اليه، او متى زال انتفى رفيقه. ويبرهنون على ان الدين أقوى تأثيرا من السياسة إصلاحاً وإفساداً، وان ما من امة او عائلة او شخص تنطع في الدين، أي تشدد فيه، الا واختل نظام دنياه، وخسر أولاه وعقباه(4). ويؤكد مونتسكيو وجود بديل عن القانون الأساس في النظام الاستبدادي، وهو الدين، وانه بالفعل السلطة الوحيدة التي تقف فوق السلطة. وان(الدين في الاستبدادية هو بحد ذاته استبدادي، انه خوف مضاف الى الخوف)(5). وطالما جرى استخدام التأويل التسلطي للنصوص الدينية في تبرير ذلك النمط من العلاقات بين السلطان ورعيته، (فكانت السلطة- عبر العصور- تحاول دائما استخدام الدين لتسويغ التصرفات السلطانية تجاه المجتمع. قال الأمويون إنهم من قدر الله، أو من أمر الله. وقال العباسيون إنهم أقرباء الرسول، وسيحفظون بالتالي دين الرسول أكثر إن وصلوا للسلطة. وقال السلاجقة إنهم ما حاولوا الوصول للسلطة الاّ من أجل نصرة (مذهب أهل الحق)، وقال المماليك إنهم ما جاؤوا للسلطة الاّ ليردّوا عبّاد الصليب، والمغول عن بيت المقدس والحرمين)(6). ان الرؤية الكونية في اللاهوت الكلاسيكي المبنية على المفاهيم العبودية تغذي التصور الرأسي للعالم، الذي يؤسس لشبكة من مقولات الاستبداد، ويكرس التسلط في المجتمع. فقد ورثنا تصورا رأسيا للعالم، يتصور العل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram