كانت السيدة النائبة(جنان العبيدي) غاضبة جدا في جلسة البرلمان يوم السبت. ولكن غضبها لم يكن بسبب الطرق المتآكلة في شوارع بغداد، وأزقة سوق الشيوخ، وناحية غماس. ولم يكن بسبب المجاري المتهالكة في بلد، والفلوجة، والشطرة، والصويرة.
وليس بسبب الفساد الذي زكم الأنوف في وزاراتنا ودوائر محافظاتنا، عبر صفقات النفط، وأجهزة الكهرباء المستهلكة، والسلاح الفاسد، والعقود الوهمية التي يتمتع بعقدها مدراء عامون، ووكلاء وزارات، وأعضاء مجالس محلية. وهي غاضبة لا بسبب المحاصصة الطائفية التي أهلكت بلدا حضاريا مثل العراق، وأرجعته الى القرون الوسطى، حيث الكثير ممن يتحكمون في مقدراته أميون، وحملة شهادات مزورة. وهي غاضبة بالتأكيد لا بسبب التصفيات الطائفية التي أججتها الاجندات المذهبية، وراح ضحيتها مئات آلاف الجثث مجهولة الهوية التي كانت تلقى في المبازل، والأنهار، وعلى الطرق السريعة، وفي الأزقة الضيقة لأصقاع هذا البلد المهان، الذي بالكاد صدق انه تخلص من حكم البعثيين ودموية الديكتاتور وعائلته. وهي غاضبة ليس بشأن الفقر المدقع، والشروط الحياتية المزرية في مدينة الصدر، والحسينية، وقرى الديوانية، والكزيزة في البصرة، والحيانية التي اصبح ابناؤها يتحسرون على الماء النظيف والكهرباء والمراكز الصحية التي يفترض أن تعاملهم كبشر لا كحيوانات زاحفة. وهي غاضبة ليس بسبب ملايين العاطلين عن العمل في اصقاع الوطن، العاطلين الذين لم يجدوا امامهم مشروعا جديدا، ولا مصنعا، ولا معملا ينتسبون اليه من اجل اطعام عوائلهم. وغاضبة ليس بسبب تحويل الوطن الى اقطاعيات حزبية ومذهبية ومناطقية لا يربط بينها رابط، رغم وجود حكومة مركزية في بغداد، وذلك بسبب المحاصصة الطائفية في البرلمان، والحكومة، وفي الوظائف.. نزولا الى فراشي المدارس. وكأن ذلك التقسيم يتناغم مع العقليات الطائفية لدى الائتلافات التي لا ترى سوى نفسها في مرآة بلد شاسع متنوع مثل العراق. السيدة النائبة غاضبة ليس لذلك كله. انها غاضبة بسبب مقالة نشرت في جريدة. والجريدة هي المدى. والمقالة كانت تتحدث عن اخفاقات مجلس النواب في حل العقد المفصلية في العهد العراقي الجديد، ومثالب تسيير السلطة التشريعية كونها اداة رقابية على اداء الحكومة، وايقاع الحياة اليومية في البلد. وما لم تذكره المقالة هو ان كثيرا من اعضاء مجلس النواب اصبحوا اضحوكة في نظر الشعب. ومن يشك في ذلك من النواب، عليه ان ينزل الى الشارع ويسمع رأي المواطن المحروم من كل شيء، والمهدد في حياته وعائلته كل يوم. وهذا المواطن ليس بعثيا بالتأكيد. انه اول ضحايا نظام المقابر الجماعية، ورش السموم على المدن، والحروب الحمقاء التي كان لها وقودا، والتشرد المليوني الذي سببه نظام متخلف حكم العراق اكثر من ثلاثة عقود. ما لم تقله المقالة هو ان امتيازات اعضاء مجلس النواب اصبحت هي المحرك لحضورهم، وأدائهم، وندواتهم، وحتى استجواباتهم. على الأقل هذا ما يتقول به الجميع ممن ضاقت بهم سبل الحياة، ولبثوا في الوطن رغم ذلك الضيق. والا لماذا لا يصوت اعضاء البرلمان على القوانين المهمة كقانون النفط والغاز، وقانون الأحزاب والانتخابات والاحصاء السكاني؟ بينما يتراكض النواب باتجاه مقاعد التصويت حين تكون الجلسة مخصصة لمنحهم جوازات دبلوماسية لهم ولعائلاتهم، وامتيازات في السفر، والسكن، وقطع الاراضي، والنثريات والحمايات. وكثير من اعضاء مجلس النواب يعرفون جيدا انهم وصلوا الى البرلمان عبر ميليشياتهم، وحركاتهم العنفية التي فتكت بالبسطاء من العراقيين الذين لا ذنب لهم في انتمائهم المذهبي. وعبر سيطرتهم على صناديق الاقتراع في مناطقهم وصلوا الى ما وصلوا اليه، اصحاب الدم الأزرق. انهم يدركون جيدا ذلك. ومن بين هؤلاء نساء جلبتهن الكوتا صاحبة ال 25 بالمئة. نساء لم يكن جلوسهن على مقاعد البرلمان عبر مواهبهن في التحصيل العلمي او الاجتماعي او السياسي. ولا عرفهن المواطن يوما بفعل مميز. ولا تناقلت وسائل الاعلام صولاتهن في الدفاع عن المحرومين. لقد تم لهن ذلك عبر الكوتا... والكوتا فقط.
وقفة:غضبــة النائبة
نشر في: 10 نوفمبر, 2009: 07:23 م