يوسف العاني لم تكن شجنا واجدا، برغم انها كانت واحدة! واحدة غادرت العراق لتعيش الغربة في الغربة، في اكثر من بلد لتستقر مع (لطيف) زوجا في السويد لاجئة، تحمل معها تاريخ حياة باسلة شامخة في سياق الفن النضالي- ان جاز لي هذا التعبير.. قد يكون بالامكان ان اصفها وحدها.. (شجنا) كبيرا كان يمكن ان يكتب مع من كتبت عنهم حين فارقونا ثم فارقوا الحياة..
لكنها عندي وعندنا وعند الشعب العراقي تظل حالة من حالات النهوض المؤطر بالفخر والريادة الشجاعة.. والاعتزاز الذي عاش مع الناس عن قرب وبعد لتظل في البال والخاطر وفي القلوب المخلصة للوفاء الدائم. آخر مرة استمعت الى صوتها كان عبر الهاتف من لندن! بعد ان انهت علاجها هناك.. كانت تبكي، فقد شاهدت على شاشة التلفزيون في اليوم نفسه (السادات) يوقع صك الاستسلام في اسرائيل.. كما وصفته.. قالت: ليتني كنت عمياء.. كي لا ارى هذا المشهد، سالتها وانا اضحك مباركا على سلامتها.. متى تعودين الينا؟. قالت: نهاية هذا الاسبوع.. انا مشتاقة لكم ولمسرحنا. في اليوم الثاني نشرت خبر سلامة زينب.. وموعد عودتها.. زينب.. البدايات حين بدأنا التحضير لانتاج فيلم (سعيد افندي) في اواسط الخمسينيات، كنا نسعى لتوفير كل متطلبات الانتاج بعناية وثقة، وان تكون العناصر العاملة مثقفة وواعية بطبيعة العمل ومسؤولياته.. واوشكنا على توفير اهم مانريد.. لكن امرا واحدا كان علينا الحصول عليه ليكون معنا وفق المواصفات المتصورة.. كان.. العنصر النسائي وبكلمة ادق.. (بطلة الفيلم فهيمة) اي زوجة سعيد افندي لم نكن مقتنعين بواحدة، وذات يوم حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان! فقد تسلمت الرسالة التالية: (استاذي الفاضل المحترم.. تحية كريمة كلها احترام وتقدير) قد يدفعك الاستغراب من وصول هذه الرسالة اليك، من شخص مجهول، ولكن بعد ان تقرأها وتدرسها جيدا ترى كل شيء واضحا وماعليك الا ان تجيب! لقد قرأت في جريدة الاخبار الغراء.. في احد اعدادها، موضوعا يبحث عن عدم اشتغال الفتاة العراقية بالتمثيل وخاصة المسرح، وكنت موفقا كل التوفيق في توضيح وضعها الاجتماعي والظروف القاسية التي تكبلها بالقيود الرجعية والمحافظة على بعض التقاليد الموروثة البالية التي لو خرجت عنها لعدت – مع الاسف- ساقطة!! والحقيقة انني قرأت قولك واستوعبته فوجدته مطابقا لشعوري الفياض بحبي للتمثيل وخاصة المسرحي.. لانني اعتقد كما يعتقد كل مثقف.. (ان المسرح مدرسة الشعب الكبرى).. فأنا ان كنت قد ابعد بيني وبين المدرسة التي ادرس فيها،، فباستطاعتي ان ادخل مدرسة اعظم واكبر هي المسرح.. ولاسيما ان كان القدوة فيها (يوسف العاني) بالذات.. تلك الشخصية التي اجلها واحترمها بدرجة لاحدود لها.. وان كنت لا اعرفك شخصيا لانني لم ارك.. لكنني قد سمعت عنك من اخوتي الشيء الكثير الذي يليق بشاب له مكانته القيمة في نفوس المثقفين الواعدين ولعلك تسأل ماعلاقة شخصيتي بالموضوع الذي تبحثين فيه فأقول.. لو لم تكن انت في الفرقة المسرحية لما تقدمت للانضمام اليها.. ولو لم اعهد فيك الشرف والامانة وفي فرقتك الفن النزيه.. لما رغبت في الاشتراك معكم لاؤدي واجبي على المسرح كما اديته في الصفوف وعلى اللوحات السود.. اذا.. انا ارغب في الانضمام وتحت لواء فرقتكم- المسرح الحديث- التي احترمها واتمنى لها كل خير ونجاح.. ولكن؟.. هناك عقبات كثيرة ارجو ازاحة الغموض عنها وتبسيطها لي بالقدر الذي تستطيعونه.. هل هناك شروط في ما يتعلق بسن الممثلة وجمالها، اي ان تكون شابة جميلة جدا ولا تتعدى مثلا الخامسة والعشرين من العمر.. هل يجب ان تكون انسة.. اولا فرق ان كانت انسة او سيدة هذان سؤالان مهمان.. لا ادري طبعا ردكم عليهما، فانا في السادسة او السابعة والعشرين.. متوسطة الجمال اي انني لست في درجة جمال (صوفيا لورين) او (مارلين مونرو).. انا اعتقد ان الجمال ليس ضروريا الى هذا الحد في التمثيل وخاصة المسرحي.. فالمهم هو شخصية الممثل وتعبير وجهه وحركاته التي توضح لنا شعوره واحساسه بدقة وبلا غموض.. والمهم عندي ان اكون انا (الاولى) التي تتقدم للاشتراك مع اخوانها في تقديم المسرحيات.. فأكون بذلك قدوة لاخواتي الفتيات فتكون هناك.. ثانية وثالثة ورابعة.. فهي تضحية مني لبلدي ولكنها ستعود عليه بالخير.. ولاثبت ان المرأة المثقفة باستطاعتها ان تدخل كل ميدان دون خوف او وجل مادامت واثقة من كرامتها وواثقة من نبل الغاية التي تريد تحقيقها.. وهناك عقبة اخرى هي ارضاء ذوي الامر واعتقد انك تعرف (احمد) وشقيقه (محمد نادر) من دورة الاحتياط فهل باستطاعتك اقناعهما؟. وعقبة اخرى هي ان زوجي حين صارحته برغبتي في الانتقال معكم هددني بالطلاق! وحاولت بكل الطرق لكني فشلت معه.. المهم ان اخط مستقبلي معكم اولا.. وبعد ذلك فليغضب او يرضى حسبما شاء له هواه.. ثم فلنفرض انكم اجبتم على طلبي ووافقتم على انتقالي معكم اولا ومعناه انني اسافر الى بغداد.. وهناك كيف أعيش؟ لانني كما تعلم (مفصولة) من الخدمة التعليمية ولا املك شيئا من المال الذي يكفيني،، سيما وان وضع عائلتي المالي مرتبك جدا لايسمح ان اكون عالة عليهم.. فأين اسكن؟ ومن اين اصرف لاعيش؟ هل بامكانك ان تجد لي عملا اعيش منه؟ فاني ان وجدت العمل في بغداد هان كل شيء واصبح سهلا.. هذه هي رسالتي التي اود الاجابة ع
زينب..!
نشر في: 11 نوفمبر, 2009: 03:34 م