محمد قحطان اطلقت العديد من الالقاب الفنية على الفنانة الكبيرة الراحلة (زينب) لكن اهمها وافضلها هو لقب (سيدة السينما والمسرح في العراق) زينب ممثلة كبيرة ومثقفة رائعة دخلت الى الفن بتحد كبير خاصمت من اجلها اهلها ومعارفها وابناء محلتها لكنها ربحت الفن وعالمه الأثير. يعود تاريخ دخولها الى الفن عام 1957 على اثر قراءتها لموضوع كتبه الفنان الكبير (يوسف العاني)
في جريدة الاخبار تحدث فيه عن ازمة الممثلة في المسرح العراقي فاثار فيها الخبر قضية العمل كممثلة وهي التي تختزن احساساً كبيراً بانها ممثلة في داخلها وتنتظر من يفجر عنصر الابداع في داخلها.. فجاءت رسالة الفنان العاني لتعلن لها عن بداية لمشوار فني طويل تكلل بالجهد والتعب والدموع والغربة والموت خارج الوطن. الاسم الحقيقي لزينب هو (فخرية عبد الكريم) وهي معلمة من مدينة الحلة مفصولة من وظيفتها لاسباب سياسية وتقدمت الى الفن كممثلة رغم انها لم تتخرج في كلية فنية لكنها تمتلك الموهبة والاحساس الفني بالفطرة.. فكتبت للفنان العاني رسالة شخصية تعلمه فيها عن استعدادها للعمل كممثلة رغم انه لا صلة بينهما.. انما رسالتها جاءت اجابة على مقال العاني الذي يشكو فيه عدم وجود ممثلة لا سيما انه كان يستعد لفيلم (سعيد افندي) الذي اخرجه كاميران حسني عام 1957 وهو من اهم افلام السينما العراقية. زينب أو فخرية كتبت في رسالتها ليوسف العاني تقول: انها فرحت جداً عندما قرأت رسالته عن الفن لانها تعتبر المسرح مدرسة الشعب الكبرى.. وتقول اذا السلطة ابعدتني من المدرسة فانا سادخل مدرسة اعظم واكبر هي المسرح. واضافت.. انها على استعداد للعمل في فرقة المسرح الفني الحديث لانها فرقة ناضجة ويكفيها انها تضم الفنان الكبير يوسف العاني واستوضحت زينب من العاني في الرسالة عن امور تجهلها مثل هل ان هناك شروطاً لسن الممثلة وجمالها؟ وهل يجب ان تكون آنسة أم سيدة؟ وتصف مواصفاتها بانها سيدة متزوجة بعمر 27 عاماً متوسطة الجمال وتمنت ان تكون الممثلة الاولى التي تتقدم الى الفرقة لمشاركة اخوانها الرجال في تقديم مسرحيات لتكون قدوة لاخواتها الفتيات. وتقول ايضاً ان وجودي معكم سيكون تضحية لبلادي ولاثبت للجميع ان المرأة العراقية المثقفة قادرة على الدخول في كل ميدان من دون خوف أو وجل ما دامت واثقة من خطواتها وتصون كرامتها. كذلك تصارح زينب الفنان العاني بانها اطلعت زوجها على رغبتها في التمثيل فقال لها ساطلقك اذا اصبحت ممثلة لكنها تحدته كما قالت (المهم ان احفظ مستقبلي معكم اولاً وبعد ذلك فليغضب أو يرضى حسبما شاء له هواه) ومن يومها تحولت فخرية عبد الكريم الى الفنانة زينب وانطلقت في قطار الشهرة وقدمت في المسرح اعمالاً كثيرة جداً مع فرقة المسرح الفني الحديث منها النخلة والجيران والشريعة ونفوس والخان والقربان كما قدمت في السينما سعيد افندي بدور (فهيمة) زوجة سعيد افندي الذي مثل شخصيته الفنان القدير يوسف العاني الذي يعتبر من اهم الافلام العراقية وانضجها فكرياً وفنياً كما مثلت بطولة فيلم اخر مهم في السينما العراقية هو فيلم (الحارس) الى جانب الفنان مكي البدري وفي الغربة التي اختارتها زينب بعد معاناتها مع النظام السابق في بداية عام 1979 اذ قام النظام بمنعها من دخول الاذاعة والتلفزيون وايقاف مسلسلاتها التي كتبتها للاذاعة مثل (الساقية المهجورة) و(امل والريح) و(مافات القطار) و(في مهب الريح). في الغربة بدأت من الكويت ثم لندن وبلغاريا واليمن ودمشق واستقرت مع زوجها لطيف في السويد وماتت هناك. وخلال وجودها في الغربة عملت الفنانة الراحلة زينب في الكثير من الاعمال التي تمجد العراق وتدين الطغاة والدكتاتورية.. ففي عدن اسست فرقة الصداقة وتولت رئاستها وقدمت اعمالاً عديدة مع خريجي معاهد واكاديمية الفنون في عدن منها (مغامرة رأس المملوك جابر) تأليف سعد الله ونوس واخراج زوجها لطيف ورواية (الام) لمكسيم غوركي اخراج سلام الصكر ثم مسرحية غرف التعذيب.. وفي دمشق شكلت فرقة بابل وقدمت اعمالها لاذاعة صوت الشعب العراقي.. وفي السويد مقرها الاخير شكلت فرقة سومر وقدمت مسرحية (صور شعبية وصورة) التي سبق ان قدمتها مع فرقة مسرح الفن الحديث ومسرحية (الجوع) ومسرحية (يا غريب اذكر هلك) ومسرحية (قارب في غابة) في عام 1994 عرفت ان مرض السرطان يسري في جسمها لكنها واجهته بشجاعة كما واجهت النظام السابق وظلت تقاومه الى يوم 13 آب 1998 حيث وافتها المنية… وجرى لها تشييع مهيب من العراقيين والعرب والسويدين من اصدقائها واحبائها ولفت بالعلم العراقي لثورة 14 تموز 1958 وكتبوا على نعشها (سنحدث الناس عنك.. كل الناس.. فسيعرفك كل العراق بكل اطيافه وطبقاته.. سيبقى رمزاً للمسرح الهادف الحر.. وفنك شجرة وارفة وحية في قلوب العراقيين).
زينب..فنانة من زمن جميل
نشر في: 11 نوفمبر, 2009: 03:37 م