نجاح الجبيلي درجت الكثير من الدراسات والمقالات التي تتناول القصة القصيرة جداً على تسمية كتاب "انفعالات" لنتالي ساروت بالقصص القصيرة جداً. ويعود السبب في ذلك إلى مترجم كتاب "انفعالات" – المصري فتحي العشري- الذي وضع بتعسف تحت عنوان الكتاب "قصص قصيرة جداً"
والكاتبة ساروت لم تقصد أن يكون الكتاب كذلك إذ لم يتبلور هذا الصنف حينذاك في الغرب. والعجيب أن العشري يتحدث طوال مقدمته لكتاب "انفعالات" عن كيفية نشوء الرواية الجديدة ومميزاتها لدى كتابها مما يتناقض مع إطلاقه اسم "قصص قصيرة جداً" عليها كما أن ساروت لم تسمها قصصاً قصيرة جداً بل "انفعال1" و"انفعال 2.. الخ حسب ما جاء في مقدمة العشري الذي استبدلها بعناوين "قصة رقم 1" و "قصة رقم 2"..الخ. ويعترف بصعوبة تجنيس هذه النصوص إذ يقول:" أما "انفعالات" فيمكن إدراجها تحت بعض أنواع الخلق الأدبي المعروفة كالقصة والشعر الحر، ولا يمكن في الوقت نفسه إدراجها تحت أي نوع من أنواع الخلق الأدبي المعروفة وغير المعروفة"(انفعالات – المقدمة ص27)، فإذا كانت هناك صعوبة في تصنيف هذا النوع الأدبي فلماذا منحه جنساً أدبياً لم يكن معروفاً في التراث القصصي الفرنسي وحتى حين انتشر في الغرب كان يطلق عليه مصطلحات عديدة مثل "القصة الومضة" Flash Story و"القصة الصدمة" Sudden Story وغيرها. مما يؤكد أن انفعالات ليست قصصاً قصيرة جداً أن الكاتب نهاد التكرلي يقول عنها في كتابه "الرواية الفرنسية الجديدة" ".... كذلك نتالي ساروت التي يعود تاريخ روايتها (انتحاءات) إلى عام 1938" ( نهاد التكرلي، الرواية الفرنسية الجديدة ج1 الموسوعة الصغيرة ص166 دار الشؤون الثقافية 1985). ويرتكب العشري في مقدمته بعض الأخطاء المتعلقة بحياة ساروت ورواياتها مثل قوله "إنها ولدت بعد عامين من طلعة قرننا العشرين" (انفعالات- المقدمة26) بينما ولدت هي في عام 1900 وتوفيت عام 1999 وترجم عنوان رواية " المماحي Les Gommes في معرض حديثه عن رائد الرواية الجديدة الآن روب غرييه بعنوان محلي جداً هو "الأساتيك" أو تعريبه لإسم الروائية الفرنسية "مارغريت ديراس" بمارغريت دورا وهو المتبحر في اللغة الفرنسية. أما عنوان الكتاب " انفعالات" فيقول الكاتب " هذه هي الترجمة التي توصلنا إليها أخيراً والتي وجدناها أقرب إلى معنى مضمون الكتاب فإن بدت مألوفة ومنطقية في اللغة العربية فما هكذا وضعها في لغتها الأصلية ولا في اللغات الأجنبية الأخرى"(انفعالات – المقدمة) وأرى أن العكس هو الصحيح إذ أن المصطلح صاغته الكاتبة من مفهوم بيولوجي Tropismes يعني الحركة الناتجة عن إثارة خارجية والانطواء على الداخل أو الذات وهو بعيد عن "الانفعالات" التي لها علاقة بعلم النفس. ومن الأفضل إطلاق عنوان "انتحاءات" كما ترجمه الاستاذ نهاد التكرلي في كتابه. وجدير بالذكر أن هناك ترجمتين للكتاب وهما بعنوان "انتحاءات" الأولى من ترجمة" ريم منصور الأطرش صادرة عن وزارة الثقافة السورية عام 1999 والأخرى من ترجمة "مزمل سلمان غندور" صادرة عام 1999 أيضاً. تقول ساروت في مقابلة معها في مجلة باريس ريفيو عام 1990 عن الانتحاءات " إنها حركات لا يمكن تعريفها تنسل بسرعة إلى حدود وعينا وهي مسؤولة عن أفعالنا وكلماتنا وأحاسيسنا.أنا مقتنعة كلياً بأن كل شخص يمتلكها (أي الانتحاءات) في نفسه على ذلك المستوى. في المستوى الخارجي من الحدث لا اعتقد أن هتلر يشبه القديسة جان دارك لكن على المستوى العميق من الانتحاءات فإن هتلر أو ستالين يمارسان الانتحاءات نفسها كأي شخص آخر". (Paris Review) Issue 114, Spring 1990. إذن ليس للمترجم العشري الحق في تجنيس كتاب "انتحاءات" (انفعالات!) لساروت ضمن نطاق القصة القصيرة جداً بل يمكن وضعه مع البذور الأولى الرواية الجديدة التي ظهرت في فرنسا في النصف الأول من القرن العشرين.
هل "انفعالات" ناتالي ساروت قصص قصيرة جداً؟
نشر في: 14 نوفمبر, 2009: 04:15 م