ترجمة: عادل العامل ما دام الإنسان يقوم بتطوير تكنولوجيا جديدة، نظل قلقين من أن تسبب اختراعاتنا العفن لأدمغتنا ذات يوم، كما تقول كاتبة المقال نعومي أولدرمان Naomi Alderman. فحتى تطوير الكتابة قديماً كان يُعتبر تهديداً لمهارات الذاكرة التي مكَّنت قصائد الشعر القديم من أن تمر من راويةٍ إلى آخر ــ يعتقد دارسون كثيرون بأن ملاحم هومير لم يكتبها رجل بمفرده،
و إنما هي نتاج موروث طويل من الشعر الشفوي. و قد اكتسبت الحضارة شيئاً ما أفضل من خلال الاتصال المتبادل، لكن كان هناك مع هذا أولئك الذين أحزنتهم خسارة مهارات الذاكرة المتصلة بالثقافة الشفوية. ففي رواية ماري رينولت (مغني المديح The Praise Singer)، على سبيل المثال، نجد الأستاذ الذي يقوم بالتحفيظ يشعر بالقلق من أن ذاكرة تلميذه ستُصبح ضبابية لأنه يقوم بتدوين الأشياء التي يتلوها عليه. إن هناك بعض العلامات على أننا يمكن أن نكون مقتربين من لحظة ثقافية مماثلة، و إن كان ذلك ربما مع أسبابٍ أقل للابتهاج. فالقراءة ظلت في حالة من الانحدار على مدى نصف القرن الماضي ــ و يبدو ذلك، إلى حدٍ كبير، لأن التلفزيون حل محل القراءة في وقت فراغنا. و أنا من الذين يحبون التلفزيون: فحتى مع القدْر الوافر من عروض الواقع المُضجرة التي تُبث حالياً، ما يزال التلفزيون يوفر بعض الخبرات الثقافية المُثرية جداً. غير أن فقدان القراءة يمكن أن تكون له معانٍ ضمنية ثقافية واسعة. فالقراءة تجلب معها حزمة من المنافع و المهارات الأخرى، التي ستترك خسارتها مجتمعنا بحالةٍ أكثر فقراً، بما في ذلك القدرة على امتصاص المعلومات بشكلٍ سريع، أو التمعن في المشاكل المعقدة، أو مقارنة وجهات النظر. كما أنه ليس التلفزيون فقط الذي يشكل تهديداً للقراءة، بل و الإنترنيت، أيضاً. و بطبيعة الحال، فإن استعمال الإنترنيت يتطلب بالتأكيد معرفة القراءة و الكتابة. لكن القراءة على الانترنيت لا تماثل قراءة الكتاب. و قد بيَّنت دراسات حديثة أن قراءة الأونلاين تتعطل إزاء " النصوص التي تتطلب تركيزاً مستمراً و انتباهاً طويلاً ". و قد أخبرني أصدقاء من مدرسي الجامعة بأن بعض طلبتهم في السنة الأولى بدأوا يكتبون بطريقة مماثلة للطريقة التي نقرأ بها ظاهرياً الأونلاين، حيث الجمل لا تتوالى بشكل مترابط أو مفهوم من واحدة إلى أخرى، و كأن مقالاتهم يُقصد بها المرور السريع، لا القراءة. و بشأن هاتين القضيتين، أي أن الناس يقرأون بشكلٍ أقل و أقل جودةً معاً، أجد نفسي حائرةً أيهما أكثر جديةً. و يمكن أن تكون الأخيرة (أي أقل جودةً) أسهل على الإصلاح ملاحظةً ببساطة أن عدم قراءتي الأونلاين بصورة كاملة مثلما أفعل مع المطبوع قد غيَّر عاداتي و شجعني على قضاء وقتٍ أكثر في القراءة التقليدية. و يمكن لأنظمة التعليم أن تُصمَّم بحيث تأخذ هذا بنظر الاعتبار. لكن من الأصعب أن يرى المرء كيف يمكن مواجهة الانحدار في القراءة إجمالاً. بالتأكيد ليس باستطاعة أحد إجبار الناس على القراءة لغرض المتعة؛ فقد اعتاد الناس أن يقرأوا و يكتبوا رسائل أكثر،لأنه كانت هناك خيارات أخرى أقل. و أسرتي محظوظة بكونها احتفظت ببعضٍ من مئات الرسائل التي كانت جدتي تتبادلها مع أخويها، ألان و هنري، بينما كانا يقاتلان في الحرب العالمية الثانية. و هما لم يكتبا هذه الرسائل لتحسين مهاراتهما في الفهم و الإنشاء؛ لقد فعلا ذلك لأنها كانت الطريقة الوحيدة للبقاء على اتصال. و لو كانوا يمتلكون آنذاك تلفونات موبايل و كانوا قادرين على مكالمة أحدهم الآخر كل يوم، لكانوا قد فعلوا ذلك بالتأكيد. و لو كان لديهم جهاز تلفزيون أو فيديو ليرتاحوا معه بعد يوم عمل شاق، لكانوا ربما فضّلوا ذلك على قراءة رواية. لكن قد يكون بإمكان التكنولوجيا توفير حلولٍ أيضاً. فإحدى النقاط المضيئة في حياة القراءة الخاصة بي مؤخراً (مشروع الدفتر الذهبي) الذي قمتُ فيه أنا و ست كاتبات أخريات بقراءة و مناقشة رواية دوريس ليسينغ على مدى عدة أسابيع. و قد شجعتني الطبيعة التعاونية الاجتماعية للمشروع على الالتصاق بعملٍ كلاسيكي كان، مع كونه مدهشاً من نواحٍ كثيرة، على درجة كبيرة من الإغاظة أحياناً بحيث أنني أردتُ مراراً أن أقذف به عبر الغرفة. و يمكن أن يوفر مستقبل قراء الإنترنيت فرصاً أكثر لهذا النوع من القراءة الاجتماعية. أو ربما ستشجع التجليات الاقتصادية العالمية أكثرنا على اعتناق فلسفة بسيطة و قضاء أمسياتنا في البيت مع كتابٍ جيد. عن Guardian
الــــقـــراءة.. فـي وجـــود الانــتــرنــيــت
نشر في: 17 نوفمبر, 2009: 05:02 م