عبد الزهرة المنشداوي المتابع للتاريخ الاوروبي لابد له من ان يلحظ ان فترة من فتراته تميزت بصراعات دينية مريرة لاتخلو من مجازر دموية، وتوترات امتدت لعقود من السنين. في الوقت الحاضر لم نعد نسمع عن ذلك. ما تتناقله وكالات الانباء إضرابات لعمال المطارات وللمزارعين،
او تظاهرات تدعو الى اسقاط حكومة من الحكومات، ومطالب بزيادة اجور وتوفير فرص عمل، سلاحها النشيد والاغنية والأعلام الملونة، ودعوات مناصرة للبيئة داعية الى الحفاظ على الغابات ومضادة لتلوث المدن. في البلدان العربية قلما نسمع بتظاهرة من هذا النوع. وما نسمعه صراعات طائفية ومذهبية لا تنتهي. هدير طائرات وأصوات مدافع تتحدث عنها وتصورها لنا وسائل الاعلام المختلفة. عوائل مشردة وضحايا لاتعد، وهناك من يرتفع صوته بإبادة هذا الطرف ومناصرة ذاك. وسائل الإعلام ذات الصبغة المتحيزة لطرف الدولة بطبيعة الحال تزيد النار أواراً وتنقل الشرر الى اوسع مكان. لماذا الصراع الطائفي بين من يدينون بالدين الواحد او من يعيشون على أرض وطن ينبغي العمل على جعله ينعم بالسلام والطمأنينة والالفة فيما بين مكوناته؟ هذا هو السؤال الذي اول ما يتبادر الى الذهن. ينتظر من يشبعه دراسة لمعرفة اسبابه الحقيقية وجذروه التي يتوجب استئصالها، والتي لايمكن رؤيتها على حقيقتها نتيجة التشويش الاعلامي واللعب على الاوتار العاطفية لإثارة الناس البسطاء الذين هم اسلحته ووقوده في الآن نفسه. الحكومات في المنطقة العربية لا احد يختلف عن توجهات معظمها في جعل مواطنيها على قدر كبير من التخلف الثقافي وعدم الوعي، وذلك بإتباع سياسة القطيع والتلويح بهراوة القيادة. هذه الطريقة تجعل من الشعوب أقل إزعاجا لصاحب السلطة، الذي دائما ما يعتقد انه(ظلّ الله على أرضه)، وليس للبشر من سلطان، او رأي على ما يفعل. يناصره مجموعة من يطلق عليهم علماء او فقهاء ومستشارون، تم توظيفهم لمناصرة السلطان بغض النظر عن مقدار نزاهته او إحقاقه لمصالح الناس والسهر على مصالحهم و تطبيق العدالة والأمن والعمل على خلق الفرص التي من شأنها تحسين أحوال الفقراء ومنحهم حق الحياة الكريمة.الفقراء وهم الاغلبية الغالبة في أي بلد من البلدان التي نحن بصددها، مستسلمة، وخانعة لاطروحات فقهاء يحيلون كل ما يعتري المواطن من عوز او فاقة الى (مقسّم الارزاق). أما المطالبة بحق حياة افضل، فيعني فيما يعنيه الاعتراض على أمور إلهية، قد تجعل غضب السموات ينصبّ على رؤوسهم ويحيلهم الى مسوخ او احجار في الحياة الدنيا والآخرة. يقولون لهم: الاستسلام إلى أمر الحاكم ومشيئته يعني إطاعة (أمر الله) ويمكن ان يجنبهم غضب الله. الحاكم لا شأن له في جعل الحياة التي يحيونها حمى متواصلة. بعض الأحيان يوجه الإنسان الذي غلب على أمره، عتباً نحو السماء لانها أطالت بعمره ليتذوق مزيدا من كؤوس الهوان.السماء هي المسؤولة أما الحاكم المستبد فلا دخل له. انه فقط يتجول في رحاب قصره هانئا مطمئنا، شاكرا لله تفضيله على بقية خلقه من العباد: وأظلم اهل الظلم من صار حاسدا/ لمن بات في نعمائه يتقلب!. الأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي ترعرعت وأينعت في بلداننا عملت جاهدة على خنق الصوت الذي ينادي بالعقد الاجتماعي الذي يتوجب إبرامه بين السلطة والشعب. تعتقد تلك الأنظمة، او تتوهم، بأنها القدر المقدر على الشعب، وهي تعيش في القرن الحادي والعشرين لكنها تستمد من القرن الثامن أصولها وآلياتها ومبادئ الحكم. وربما تتشوق الى سكن خيم الأعراب والتيه في الصحارى بعد ان يصيبها الملل من القصور الباذخة..تجعل من الامبراطور والسلطان السابق نموذجها لذلك فهي تنتهج مناهج الوراثة في السلطة وتملك عقارات في شرق الدولة وغربها.هذه الانظمة اول ما عملت عليه لتوطين حكمها محاربة تعددية الأحزاب من خلال القتل والتشريد والسجون والاتهام بالكفر والالحاد والعمالة للاجنبي. ومن ثم اجهزت على تجمعات اخرى مثل نقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان من خلال نفس التهم التي علقتها بالاحزاب السياسية. في الولايات التحدة الامريكية على سبيل المثال كانت العنصرية على أشدها بين الزنوج والبيض. وكان الصراع ما بين الطرفين سجالاً، ولكن النقابة المهنية جمعت الضدين ووحدت فيما بينهم. فتجد الزنجي الى جانب الابيض أحدهم نصير الآخر لإحقاق حقوق العمال وبالضد من صاحب معمل ابيض البشرة. الحداثة والعلم، والوعي الثقافي، والاجتماعي هدمت العديد من الحواجز التي ما زالت قائمة في مجتعاتنا. حواجز الطائفة والعشيرة والمنطقة ستار سميك يقف حائلا دون تواصل مكونات مجتمعنا التي يتوجب عليها ان تتأثر إيجابياً بالتحولات الاجتماعية والانسانية في بلدان اخرى. بغياب الأحزاب والعمل النقابي يضطر المضطهدون الى إيجاد قواسم وتجمعات يعّبرون منها عن المظالم وعن العوز والاضطهاد. ولكي يتجمعوا يجب ان يجدوا الشعار او الطريق الذي يمكن ان يسير بهم كتلة واحدة نحو أهدافهم المنشودة. لكنهم عدموا الوسيط بينهم وبين السلطة، فلا حزب ولانقابة ولا لسان حال يمكن ان ينطق عنهم فيتخذون من الطائفة والدين اللواء الذي يرفعونه بوجه الحاكم الذي أشبعهم ذلاً وحرمانا.أضف الى ذلك هناك من يستغل الموقف لصالحه ليصبغ ا
الطائفة ولعبة الإعلام والحاكم
نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 03:09 م