زياد حيدر يخطئ من يعتقد أن الفنان مؤيد نعمة كان ضحية النظام الدكتاتوري وسنين عذاباته فقط .. بل أنه كان ضحية وضع سياسي و منظومة أحداث سياسية عصفت بالبلد لأكثر من ثلاثة عقود .. وهو الذي أتت به أفكاره وأدواته وموضوعاته إلى واجهة المشهد السياسي والثقافي والفني ..
ورحيل الفنان المبدع مؤيد نعمة بهذه الطريقة المفاجئة والمفجعة يجب أن نتوقف عنده طويلآ .. لأنه يضعنا جميعاً بمواجهة سؤال كبير من نوع؛ ترى من يدفع ثمن هذا الرحيل هل وحده الفنان يدفع فاتورة مصيره برمتها إلى العدم ثمناً لاندحارات سياسية أنتجته وصاغته وعصفت بحياته فيما بعد لأكثر من ثلاثة عقود؟ أم أن الاندحارات السياسية تلك كانت ثمناً بخساً و كافياً لانهاء حياة الفنان مؤيد نعمة ؟! .. من جهة أنه ينتمي الى جيلنا جيل السبعينات .. جيل اليساريين من الفنانين والأدباء والكتاب والمثقفين الذين خذلتهم السياسة بين مطرقة النظام الدكتاتوري القمعية وسندان السبل التي تقطعت بهم داخل الوطن بعد انفراط الجبهة اللاوطنية،هذا الجيل هو جيل مؤيد نعمة .. هذا الجيل الذي لا يتقبله لا النظام الدكتاتوري ولا المعارضة اليسارية التي فرت بجلدها وجليدها.. كان مؤيد نعمة وأبناء جيله هم أبطال المحنة الحقيقية الدامية الذين توزعتهم جبهات الحروب والمعتقلات والانتهاكات والتسقيط السياسي وتوقيع آلاف التعهدات بالإعدام إذا ثبت تعاطيهم السياسة .. هذا الجيل هو الذي كان في واجهة المشهد الثقافي والفني وفي واجهة مشهد العذاب الدامي .. في ذلك الوقت كان مؤيد نعمة وأبناء جيله يعدون العدة لمواجهة الطوفان الدكتاتوري الذي جرف البلد بخيرة فنانيه ومثقفيه وأدبائه.. في ذلك الوقت كانت فيه حثالات من فنانين بعثيين وشيوعيين يتمتعون بزمالات دراسية من أحزابهم حينما جيُّرت أكاديمية الفنون باسم البعثيين وحزبهم الفاشي وخرَّجت حثالات من دكاترة لا يملكون غير صفة رفاق في الحزب..وحينما كانت لجنة الزمالات في الحزب الشيوعي تحتكرها وتسيطر عليها بعض العوائل ومنحت زمالات لأناس لا يحملون غير أسماء تلك العوائل .. كان مؤيد نعمة وأبناء جيله أمام مفترق طرق مظلمة أما الذهاب إلى جبهات القتال دفاعاً عن جلادي الثقافة والفن وإما أن تسحقهم ماكنة الإعلام الحربية وإما أن يزج بهم في المعتقلات .. وقد تعرض العديد منهم للاعتقال ومنهم كاتب هذه السطور حيث حكمت عليه محكمة الثورة سيئة الصيت عشرة سنوات .. وهنا أدون مقطعآ من مقال كتب عن مؤيد نعمة في موقع عراقي 8 كانون اول 2005 باسم توفيق التميمي :(( وأنت تقاوم .. شوهوا تخطيطاتك .. أوقفوا رعشاتك المشاكسة .. واصطحبت حقيبة المقاتل .. جنديً في الخطوط الأمامية المهلكة في الفرقة العاشرة .. يطاردك ملف سري مشبوه للفنان )) .. هل يستحق فنان متعدد المواهب مثل مؤيد نعمة هذا المصير؟! سؤال أوجهه إلى كل حثالات السياسة التي عصفت بالبلد وتعصف به الآن والى كل حثالات الفن والثقافة من فنانين وأدباء بعثيين وشيوعيين ألم يستحق الفنان مؤيد نعمة وهو السيراميكي اللامع أن يكون أستاذا لمادة السيراميك في أكاديمية الفنون ؟ ألا يستحق مؤيد نعمة أن يحصل على زمالة من الحزب الشيوعي لتطوير أدواته التي يقارع بها الدكتاتورية ؟أم أنها السياسة التي داست بحذائها كل القيم وحولت البلد إلى مستنقع أنتم مياهه الآسنة الآن .. أم لأن مؤيد نعمة لم يحّول الحزب الشيوعي يوماً ما إلى وليمة عوائل كي يمسح يديه منها بعد ما يُشبع رغباته الدنيئة !! .. من منكم ذاق طعم العذاب والاضطهاد والتهميش والإلغاء والتسقيط والعزل داخل الوطن المستباح غيرنا نحن جيل مؤيد نعمة ؟ وأنا أتحدث عن الفنان مؤيد نعمة .. فأنا أتحدث عن زميل دراسة أربع سنوات في الأكاديمية و زميل في اتحاد الشبيبة الديموقراطي العراقي ورفيق في الحزب الشيوعي.. وصنو في الخدمة العسكرية وجبهات الحروب ..و زميل في الحركة التشكيلية العراقية..وعندما أريد أن أقرأ رحيل الفنان مؤيد نعمة فأقرأه قراءة مغايرة غير القراءة التي رافقت رحيله .. قراءة تليق بفنان متعدد المواهب .. فهو سيراميكي من الطراز الرفيع وأول من وظف السيراميك في فن الكاريكاتير في المنطقة والثالث في العالم بشهادة أستاذه الفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك .. وهو من المؤسسين لمدرسة بغداد لفن الكاريكاتير واختير في أكثر من لجنة عربياً ودولياً لتحكيم الأعمال في معارض الكاريكاتير وحائز على جوائز محلية و عربية و عالمية و مصمم أفلام كارتون متحركة ومصمم كتب ورسام أطفال من الدرجة الأولى ومنفذ سيناريوهات .. ولم يكن مجرد رسام في جريدة طريق الشعب مثلما يحاول الآخرون تقديمه بمناسبة رحيله .. هذه المناسبة التي أصبحت فرصة للتبجح والمزايدة على رحيل الفنان مؤيد نعمة.. هذا الفنان الذي غادرنا بهذه الطريقة المفجعة وهو حامل معه أفكاره ومشاريعه وأوراقه وطينه وهو الخارج تواً من ذلك الطوفان ولم يزل مشحوذاً ومتوقداً .. وكان لحد لحظة رحيله مشروعاً كبيراً لفنان سبح ضد التيارات والانهزامات والانكسارات والمصالح الشخصية .. وبقى أميناً لأفكاره ومبادئه وقريباً من شعبه وهمومه .. ولم يتخلى يوماً عن حمل أدواته لمقارعة الدكتاتورية ومن ثم مقارعة الإرهاب .. هذا هو المجد الحقيقي
من يدفع ثمن الرحيل المبكّر للفنان مؤيد نعمة؟!
نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 03:38 م