لؤي حمزة عباس اذا ما تأملنا خطابات الثقافة العراقية بمختلف اشكالها منذ التاسع من نيسان 2003 الى الآن، وتفحصنا قدرتها على مواكبة الحدث وكشف اعماقه، فاننا سنقع على خطاب (مؤيد نعمة) بوصفه واحدا من بين اهم الخطابات التي توجهت للقبض على جمرة الواقع والارتفاع بها الى افاق مضافة من الرصد والكشف والتأويل،
بما يضيف لمهمات فن الكاريكاتير مهمات جديدة، حاسمة في قدرتهاعلى رصد المشهد والانشغال بتناقضاته المؤسية، حاسمة بامكانياتها على اعادة انتاج الواقعة وهي تشغل فضاءها الثقافي، تمتليء به وتفيض على حقول عدة مجاورة. مؤيد نعمة يعاين، يرسم، ينتج لقطة ذات منحى درامي محكم، تتوجه بما يميزها من احكام وما تتمتع به من اسلوب لرصد الحدث وادراك بواطنه وهي تنشغل بالسياسي بوصفه اطارا يرعى المشهد ويحرك تفاصيله، ذلك ما يؤكده ادراك الفنان وقد مرن نفسه عقودا طويلة حتى وصل الى اللحظة الفاصلة لحظة التاسع من نيسان 2003، بما خلفته من تحولات وما نتج عنها من هزات واختلالات. كأن الفنان، وقد حدق بتناقشات المشهد الاجتماعي قبل تلك اللحظة، خاض تمرينه الطويل في دراسة الشخصية العراقية، من منظوره الخاص، للوقوف على تناقضاتها عبر كشف دخيلتها، وهي المهمة الاعمق لفن الكاريكاتير، لينتج عبر (طبق الاصل) ملامسة ثرة لحدث يكاد يكون، لولا قدرة الفن، عارضا، لكنه يصاغ، في برهان على طاقة اللوحة وقوة ممكناتها، ببلاغة عالية، لا تعمل على مطابقتها لمقتضى الواقع بقدر ما تسعى الى قراءة صادمة. من هنا يشكل خطاب مؤيد نعمة الكاريكاتيري واحدا من خطابات المواجهة في وقت لاذت فيه مختلف الكلمات وصمتت، انه لا يكتفي بتحنيط اللحظة الزمنية العارضة في مساحة تأملية، بل يعمل على ربطها بما تتبع منه وما تسعى اليه، ليتجاوز فن الكاريكاتير بذلك، ومضته الساخرة الى لحظة وعي تسهم في اضاءة المشهد، وهي تختزل الكثير من القول على الرغم من اعتمادها هي الاخيرة على الكلمات. هكذا تبدو اعضاء الجسد العراقي المقطعة، اذا ما دخلنا الى اللوحة، نهرا يتحرك على موجه زورق وحيد بثلاثة اشخاص: الام والاب وابنهما، فالى اين ايها العراقي؟ قطرة دمع تتساقط من روح اللوحة، من اعماق قلبها الصامت لتنزل على وجنة الاب الذي يواصل دفع الزورق. انها الحياة التي علمنا فيها مؤيد نعمة، نحن الابناء الكبار لـ (مجلتي) و (المزمار)، معنى ان يغمض الطفل فينا عينيه على حلم اللوحة القادمة. فهل يبدو من المحزن ان تعيش لوحة مؤيد نعمة الواقعة، بتفاصيلها المرة، وهي تعمل على التقاط شظايا الحياة باصابعها الجريحة بعد ان تسمي، بجرأة مبدعة، مالا يسمى من عنف وموات؟ واذا كنا قد غسلنا وجوهنا الطفلية بمياه الرسوم البعيدة مياه المعنى الذي مر مثل ظل خاطف في سماء مدارسنا الابتدائية، لنفتح عيوننا وقد صرنا اباء بعد ان اجهدتنا رياح الحروب واثقلت كواهلنا خطوات الاربعين، على نهر الاشلاء المحروقة والمقطعة، فعلى اي معنى يفتح ابناؤنا عيونهم؟ ذلك السؤال الذي يبدو اليوم محركا لانشطة الحياة العراقية وهي تخوض بزورق وحيد نهر الاشلاء المدماة، فيكون خيار اللوحة عندئذ منسجما مع ما اسسه مؤيد نعمة في دواخلنا، مثلما يكون هشيم المشهد داخل اللوحة فرصة لمعاينة الافعال في ذروتها الحاسمة: افعال الموت وافعال الحياة. تتحرك القطرة بين اصابع مؤيد نعمة: قطرة المطر، وقطرة الدم، وقطرة الدم، وقطرة الحياة، منتقلة الى سماء اللوحة وقد القي الراس مقطوعا على ارضها وهو يحدق متشنجا بغيمة الديمقراطية القطرة عالقة في مساحة السخرية الحزينة بين الغيمة وفم الراس المفتوح، فيما تتسع بركة الدم تحت الرقبة وتكاد تفيض خارج الاطار لتمحو بحقيقتها الصارمة مراوغة العنوانات الصحفية واوهام التحليل التي تغرق فيها موضوعاتها كلما تعقد الملف العراقي وتصاعدت وتائره.
مؤيد نعمة
نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 03:40 م