ليث الحمداني هكذا هذا الموت كان اكبر دائما لانه كان موتا مختلفا، كان المبدعون في العهد الدكتاتوري الاسود يموتون حزنا على ابداعهم الذي تلتهمه اجهزة اعلام لاتتقن سوى التغني بحب السلطان ومنجزاته (العظيمة) او يموتون كمدا لانهم يلزمون بيوتهم خوفا من الاجهزة التي تحوم حولهم ويتذكرون (السيد)(1) و(ضرغام)(2) و(العتابي)(3) و(اسماعيل)(4) و... و...
تطول القائمة وجاء (الاحتلال) وادواته وبدأ موت من نوع جديد (التخلف) الذي يزحف على (الابداع) وخوف المبدعين من الغد خوف يلازمهم بعد فرحة لم تدم طويلا بسقوط الدكتاتورية، مؤيد نعمة كان ضحية الميتين ومازلت آراه أمامي يوم صدرت (طريق الشعب) علنية في ظل الجبهة و (الربيع الكاذب) كان يمتلئ شبابا وافكارا وابداعا وكان اكثر المؤمنين بابداع مؤيد الشاعر والمبدع يوسف الصائغ كان (ابو العذراء) اكثر المتابعين لمؤيد واكثر المدافعين عن رسومه التي كان اغلبها لاينشر كي لا يؤثر في (العلاقات الجبهوية) التي ظلت الاخبار تتحدث عن (تعميقها) يوميا الى درجة ان الزميل جمعة الحلفي وقف مرة مخاطبا زميلنا الذي دفع حياته ثمنا لمهنته (ياابو هند الله يخليك متكلي هذا التعميق الى متى هسة لو بير هم جان خلص التعميق بيه) كان مؤيد يبتسم صابرا ويحاول ان يمرر هذا الرسم او ذاك او يلجأ للرسم للاطفال هو وزميله نبيل يعقوب في صفحة (مرحبا يااطفال) التي (اخترعها) في الصحافة اليومية العراقية يوسف الصائغ والتي اصر مؤيد في اول لقاء لنا في بغداد بعد العودة ان يعيد رسم (ترويستها)، وانتهت رحلة مؤيد معنا في الطريق حين دعي لخدمة الاحتياط فاصبح تحت طائلة (الاعدام) اذا ماتواصل معنا، كنت اشاهده في منطقة الباص قرب ساحة 14 رمضان في المنصور حيث كان يسكن يومها ونحرص على التكلم بصوت مرتفع في حوار ابله حول الصحة والاسرة وماالى ذلك خوفا من (تقرير) طائر يطيح برؤسنا وعانى مؤيد حصارا داخليا في حياته العسكرية وحياته الوظيفية ثم انزوى بعيدا عن الكاريكاتير اليومي والمحذورات التي تحكمه في مركز التراث منكبا على ابداعه في مجال السيراميك، حين عدت الى بغداد كان مؤيد قد سبقني الى جريدة المدى وكان قلبه مازال في طريق الشعب وحين قلت له على الهاتف النقال انني في بغداد واتواجد في الطريق وجدته امامي كما فارقته ممتلئا حيوية وحبا للعمل كان الزمن قد ترك بصماته على وجهه وقلبه، تحدثنا طويلا حول ما كان، وما صار، اجتمعنا اكثر من مرة، كانت مرارته من سنوات حكم الدكتاتورية لا تفارقه حتى ان صديقا قال لي (انه في اعماله اسير المرحلة السابقة يجب ان يتجاوزها). فأجبته: لو عانيت ماعاناه لما قلت هذا فما لحقه من ايذاء وتهميش لايمكن ان ينساه بشر. وقبل ان اشد الرحال باتجاه بلدي الثاني اجتمعنا مع الفنان فلاح الخطاط ومؤيد وزميل عمره الفنان قاسم في معهد التراث توادعنا على امل لقاء وتنفيذ مشاريع مؤجلة بحثا عن حرية حقيقية تحميها، كان مؤيد خائفا مرة اخرى من الغد، من التخلف الذي بدأ يطل على الحياة السياسية تبادلنا توقعاتنا وتمنينا للوطن العراق الخلاص من المحنة. توقف قلب مؤيد نهائياً من دون ان يرى الوطن الحر والشعب السعيد الذي ظل يحلم بهما كل حياته لو قدر لمؤيد ان (يخلق) في ارض غير العراق لكان له شأنه في عالم الكاريكاتير ولكنه عراقي كتب عليه ان يدفن ابداعه حيا وميتاً. سلاماً يا طيب القلب سلاماً مؤيد نعمة. الهوامش: 1- (السيد) عزيز السيد جاسم 2- (ضرغام) ضرغام هاشم 3- (العتابي) سامي حسن 4- (اسماعيل) اسماعيل خليل
سلاماً مؤيــد نعمــة
نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 03:41 م