غسان خليلظهر بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ان الاطفال والنساء هما الفئتان الاكثر تعرضا لمآسي الحرب الاقتصادية والاجتماعية وبما ان الاطفال هم قاصرون عنة تدبير شؤونهم وعاجزون عن تحسين اوضاعهم كان لا بد ممن يدافع عنهم وينادي بحقوقهم وهذا ما اعلنته في سنة 1923 "اغلنتاين جب" (1)، مؤسسة " المنظمة البريطانية لغوث الاطفال"
في تصريحها : - "اعتقد انه علينا ان نطالب بحقوق خاصة للاطفال وان نسعى جاهدين للحصول على اعتراف دولي بها". وقد غضب البريطانيون عندما كانت "جب" تساعد الاطفال الالمان وهم اعداء وعندما سئل الكاتب المسرحي الايرلندي الشهير "برناردشو"، الذي كان احد الداعمين لاعمال "جب"، عن تقديمه مساعدة مالية لاطفال الاعداء، اجاب: - "ليس لي اعداء دون الثامنة من العمر!" تعد "اغلنتاين" اذن اول من دعا الى اعتراف دولي بحقوق الطفل وهذا ما سعت اليه من خلال تضمينها لاعلان عام 1923 خمسة بنود حظيت بموافقة "الجمعية العامة للاتحاد الدولي لغوث الاطفال" عام 1923م. ويتمحور هذا الاعلان حول ضرورة تامين الحماية للاطفال وقد نص البند الاول منه على "وجوب تامين الوسائل الضرورية كافة للنمو الطبيعي للطفل ماديا وروحيا" ولم يذكر النص الجهة المسؤولة عن تامين هذا الحق اهي الدولة ام الاسرة ام انها مسؤولية مشتركة بين الاثنتين معا لكن اهميته تكمن في تعرضه للنمو الروحي الى جانب النمو المادي للطفل. ونص البند الثاني على: "وجوب اطعام الطفل الجائع والاعتناء بالطفل المريض واعانة الطفل المتخلف والاهتمام بالطفل المعوق وحماية ومساعدة الطفل اليتيم والمتشرد". يجسد هذا البند المفهوم التقليدي القديم للخدمة الاجتماعية الذي ساد في اوائل القرن الماضي وقام على مبدأ "الاغاثة" والذي تطور فيما بعد الى ان تبلور في نظرية "التنمية المستدامة" التي استندت الى مفهوم "الحق بدل نظرية "الحاجات غير المشبعة". اما البند الثالث، فقد نص على: "وجوب ان يكون الطفل اول من يتلقى المساعدة في الظروف والاوقات العصيبة". وهذا البند مستوحى من التجارب الاليمة ومن المآسي التي خلفتها الحروب والتي اثبتت ان الاطفال هم الضحايا الاشد تعرضا وتضررا في ازمنة الحرب وتجدر الاشارة الى ان اعمال الاغاثة بعد الحرب العالمية الاولى اعطت الاولوية للاطفال وهذا ما يعتبر تقدما نوعيا في مسار حقوق الطفل اذا ما قارناه بالماضي القريب حيث كانت اعمال الاغاثة تعطي الاولوية للبالغين وتتجه نحو الاطفال بالدرجة الاخيرة. نص البند الرابع على: "وجوب ان يجعل الطفل في وضع تؤمن فيه معيشته ووجوب حمايته من كل اشكال الاستغلال ". ويؤخذ على هذا البند انه لم يحدد المسؤول عن تأمين معيشة الطفل اهو الدولة ام الاهل ؟ كما انه لم يعرف الاستغلال ولم يعرض لاي شكل من اشكاله. ونص البند الخامس والاخير على : "وجوب تربية الطفل تربية تاخذ بعين الاعتبار تكريس مواهبه في خدمة البشر بني جنسه". وهو خلاصة وعي لآلام الحرب العالمية الاولى ومآسيها والتوق الحاد لاحلال السلام وتوطيده. كانت "جب" واضعة هذا الاعلان تؤمن بان الحاجة الكبرى في الاوقات العصيبة هي عند الاطفال :فالبالغون يمكنهم تكييف انفسهم الى حد ما واستنشاط قواهم الحيوية فيما بعد اما الاطفال فيتوقف نموهم وقد لا يمكن اعادة استنشاط هذه القوى في انفسهم". (1) ولدت "جب" في بريطانيا عام 1876 وفي عام 1919 اسست "المنظمة البريطانية لغوث الاطفال".
اول دعوة الى اعتراف دولي بحقوق الطفل
نشر في: 20 نوفمبر, 2009: 05:43 م