علي مزاحم عباس ولد توفيق الحكيم في الإسكندرية بمصر سنة 1898م. وهو ينتمي إلى أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة؛ إذ كان أبوه موظفا في السلك القضائي ومن الفلاحين الأغنياء وعلى قسط وافر من الثقافة وصلة بعدد من رجالات العصر ومثقفيه. بينما كانت أمه تركية الأصل، ومن أسرة مماثلة في مستواها لأسرة زوجها وطبقته مما هيأ لأفراد هذه الأسرة مجالا طيبا للعيش والدراسة.
تلقى توفيق إسماعيل الحكيم دروسه الابتدائية في مدرسة دمنهور، وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة لمتابعة دراساته الثانوية، وكان بعض إخوته وأقربائه يقطنون فيها، فعاش بينهم طوال هذه المرحلة، ثم التحق بعدها بمدرسة الحقوق وتابع تحصيله العالي فيها إلى أن نال الإجازة في القانون سنة 1924م. والتحق توفيق الحكيم بعد ذلك بمكتب أحد المحامين المشهورين، فعمل محاميا متدربا فترة زمنية قصيرة، ولقد سعى له والده لدى لطفي السيد، فعمل على إيفاده في بعثة دراسية إلى باريس لمتابعة دراساته العليا في جامعتها قصد الحصول على شهادة الدكتوراه في الحقوق والعودة للتدريس في إحدى الجامعات المصرية الناشئة. ولكن توفيق الحكيم خيب ظن والديه هذه المرة أيضا، وبدلا من أن يدرس الحقوق انصرف إلى الأدب والمسرح وخالط الأوساط الأدبية والفنية في باريس. ولقد سجل ذكرياته الباريسية في كتابيه: ( عصفور من الشرق) و ( زهرة العمر). وفي باريس، كان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة؛ إذ اطلع على الأدب العالمي: الإغريقي والفرنسي منه. كما كانت له ثقافة اجتماعية وسياسية محلية وعالمية. وفي هذه الفترة بالذات اطلع على المسرح الذهني والرمزي والتجريبي" أوديب ملكا، بجماليون...". وأحس والداه أن ابنهما لم يغير في باريس الاتجاه الذي سلكه في مصر، فاستدعياه في سنة 1927م، أي بعد ثلاث سنوات فقط من إقامته هناك، وعاد توفيق الحكيم صفر اليدين من الشهادة التي أوفد من أجل الحصول عليها وإن كان قد نهل من الثقافة الموسيقية والأدبية والفنية الشيء الكثير. وبعد عودته إلى مصر سنة 1934م، تعرف على مشاكل الشعب المصري، واتصل به عن قرب وتعرف إحساسه ووجدانه وعقباته التي وضعها المستعمر نصب عينيه. وخلال هذه الفترة، جمع الملاحظات التي تتعلق بأهالي الأرياف ومعاناتهم في ظل الأنظمة السياسية والاجتماعية الجائرة في كتابين: روايته التي صدرت سنة 1937م " يوميات نائب في الأرياف" وكتابه الذي صدر سنة 1953م " ذكريات في الفن والعدالة". وفي 1934م، انتقل توفيق الحكيم من السلك القضائي إلى وزارة المعارف العمومية ليعمل بها مدير التحقيقات وظل يعمل في هذه الوزارة حتى نقل منها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية عند إنشائها في سنة 1939م. وتولى في هذه الوزارة وظيفة مدير مصلحة الإرشاد الاجتماعي، بيد أن وظيفته الإدارية كانت تعرقل مسيرته الإبداعية والفنية، لذلك يستقيل نهائيا من وظيفته الحكومية سنة 1943م ليعمل في الصحافة بجريدة " أخبار اليوم" التي نشر بها سلسلة من المسرحيات الاجتماعية التي دفعته إلى ذلك مقتضيات الصحافة. وظل توفيق الحكيم يعمل في هذه الصحيفة حتى عاد إلى الحكومة في سنة 1951م مديرا عاما لدار الكتب. وفي هذه الفترة، نشر مجموعة من المقالات والدراسات الفنية والأدبية والسياسية( تأملات في السياسة- حماري قال لي- شجرة الحكم- مجموعة قصصه القصيرة- فن الأدب- عصا الحكيم...). وفي عام 1956م، عين توفيق الحكيم عضوا متفرغا في المجلس الأعلى للآداب والفنون ومندوبا لبلده في هيئة اليونيسكو سنة 1959م، بحيث قضى في هذا المنصب قرابة عام عاد بعده سنة 1960م إلى المجلس الأعلى من جديد وظل فيه زمنا قصيرا قبل أن يتقاعد ويعود إلى التفرغ لأعماله الأدبية وتأليفه إلى أن توفي سنة 1987م بالقاهرة. وقد نال توفيق الحكيم جائزة الدولة قبل ثورة 1952م، وبعدها قلده جمال عبد الناصر أكبر وسام للثقافة توفي عام 1978 مرجعية النص: تستوحي مسرحية أهل الكهف التي صدرت سنة 1933م وكتبت سنة 1929م مادتها الإبداعية من القرآن الكريم ولاسيما من سورة الكهف؛ بيد أن الكاتب لم يكتف بالقرآن فقط؛ بل اطلع أيضا على كتب التفسير( مثل تفسير النسفي) التي توضح هذه السورة بل عن أسباب النزول المبينة لسياق السورة وإطارها الفضائي.كما اعتمد الكاتب على الخطاب الديني والكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل ، و تمثل القصة اليابانية" موت الأمير أوراشيما وبعثه"، علاوة عن قراءاته في كتاب الموتى للمصريين.بيد أن الدكتور محمد مندور يعتبر المصدر القرآني هو المصدر الرئيس وينفي وجود المصادر الأخرى في هذه المسرحية الذهنية:" وأما قراءاته من كتاب الموتى والإنجيل والتوراة فلا نكاد نلمح لها أثرا في المسرحية إلا أن يكون هذا الأثر هو فكرة البعث في ذاتها، ومع ذلك ففكرة البعث ليست المضمون السياسي لهذه المسرحية وإلا فقدت كل قيمتها وأصبحت كما زعم الحكيم تواضعا أنها مجرد تحوير فني لآيات القرآن مع أنها تحمل مضمونا جديدا أوسع وأغنى من فكرة الزمن المجردة وصراع الإنسان ضده أو فكرة البعث في ذاتها كمعجزة سماوية". وهكذا يعتبر القرآن الكريم وخاصة سورة الكهف المصدر الذي استند إليه الكاتب حوارا وتفاعلا وتناصا مع تحويره فنيا وروائيا ولاسيما
مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم والطابع الذهني
نشر في: 21 نوفمبر, 2009: 02:33 م