محمود شبيـــب في الثالث من ايلول 1939 اشتعلت نار الحرب العالمية الثانية عندما اعلنت كل من "بريطانيا" و "فرنسا" الحرب على "المانيا" نتيجة لاستمرارها في غزو "بولندا" وكانت الحكومة العراقية، انذاك برئاسة "نوري السعيد" الذي بادر الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع "برلين" والقاء القبض على رعاياها وتسليمهم للانكليز الذين قرروا نقلهم الى "الهند" كاسرى حرب.
ومما يظهر ان المسألة لم تقف عند هذا الحد، ذلك ان "لندن" كانت مصرة على اعلان "العراق" الحرب على "المانيا" وتحويله، في واقع الامر، الى ساحة مفتوحة للمجهود الحربي البريطاني، وكان هذا الاصرار، بالذات، من اهم الاسباب التي ادت الى الحرب العراقية البريطانية التي اندلعت في مايس عام 1941. 3 شخصيات عراقية على اية حال، فبعد انتهاء الثورة المذكورة بالشكل المعروف، كانت هناك ثلاث شخصيات عراقية مرشحة لتولي رئاسة الوزارة الجديدة وهي "السعيد" و "علي جودت" و"جميل المدفعي" وكان هؤلاء قد غادروا العراق مع الوصي عبد الاله الى شرقي الاردن وفلسطين ثم عادوا معه في اليوم الثاني من حزيران ذلك العام. وعلى الرغم من ان السعيد كان النجم الاول في التشكيلة وان الاصابع كانت تشير اليه على انه الفائز في السابق، الا ان الاوضاع الملتهبة ورغبة الجهات المعنية في تجنب حدوث اصطدام مباشر مع الشعب الذي كان يغلي سخطا وغضبا على ما قامت به الطبقة الحاكمة من اجل القضاء على ثورة مايس، ادى الى تكليف المدفعي برئاسة الحكومة نظرا لما كان انصاره يشيعون عنه انه "رجل التهدئة". الوزير العتيد وتشير الوقائع التاريخية الى انه كانت هناك مفارقة في التشكيلة الوزارية، ذلك انه اذا قيل بأن الحكومة ضمت رئيسا سابقا للوزارة. هو "توفيق السويدي" اضافة الى سياسيين معروفين مثل "مصطفى العمري" والشيخ "رضا الشبيبي" فان الانظار ستتركز على وزير المالية ووكيل وزير العدلية "ابراهيم كمال" باعتباره يشغل المكانة الثانية من حيث الاهمية بعد رئيس الوزارة مباشرة. والواقع، فان "ابراهيم كمال" لم يكن جديدا على سير الاحداث في العراق، فقد سبق له ان شغل نفس المنصب في حكومة "المدفعي" الرابعة التي تألفت في آب 1937 اثر انهيار حكومة "حكمت سليمان". وكان هذا الرجل قد تسبب في ازمة غريبة ذلك ان وزير الاشغال والمواصلات انذاك "جلال بابان" كان قد طلب من مجلس الوزارة زيادة المبلغ المتفق عليه مع احد المقاولين بعد انجازه تبليط قسم من طريق الرمادي ـ الرطبة، فما كان من "كمال" الا ان وجه انتقادا شخصيا وجارحا الى زميله متهما اياه بالتواطؤ مع المقاول المذكور، فبادر "بابان" الى الاستقالة بعد ان وجه رسالة احتجاج الى "المدفعي" الذي عهد بالمنصب الى غريمه! وبعد مدة من الزمن، اتضح ان هذه الخطة كانت مدبرة بين عدة جهات حيث بادر "كمال" باعتباره وزيرا للاقتصاد بالذات الى منح امتياز استغلال نفط البصرة الى احدى الشركات الانكليزية وهو الاجراء الذي قوبل بالاستنكار من جانب المعارضة في مجلس الاعيان والنواب وعلى مستوى الشارع مما ادى الى اعتقال عدد من المتظاهرين واحالتهم الى المحاكم. احلام ويبدو ان صاحبنا قد شعر بقوة بعد اقدامه على هذه الخطوة، فتطلع الى رئاسة الوزارة، غير ان ذلك كان من قبيل الاحلام اذ سرعان ما اطاح انقلاب عسكري جرى في كانون الاول 1938 بالحكومة بأسرها! نعود الى عام 1941، اذ ذكرنا ان "رجل التهدئة" هو الذي اصبح رئيسا للوزراء، الا ان فصل بعض الموظفين الذين سايروا ثورة مايس من الخدمة في دوائر الدولة واعتقال بعض المتهمين بهذا الاتجاه وان جرى ذلك على نطاق غير واسع جدا، ومن الواضح ان هذا كان من الاسباب التي ادت الى تذمر السفارة البريطانية من سلوك الحكومة. وكان (الوصي) راغبا في مكافأة بعض الاشخاص الذين وقفوا الى جانبه، ومنهم "صالح جبر" الذي اقترح تعيينه بمنصب رئيس الديوان الملكي غير ان وزير المالية هدد بالاستقالة في هذه الحالة مما ادى الى توتر العلاقات الشخصية بينه وبين "عبد الاله". اقتراح المستشار وشاءت الصدفة ان يسافر السيد "كنهان كور نواليس" السفير البريطاني ببغداد الى "سوريا" و "لبنان" للاستجمام بعد ان استطاعت القوات البريطانية الاستيلاء عليهما والقضاء على الحكومة الموالية لسلطة "فيشي" الفرنسية، فاصبح "هولمان" مستشار السفارة نائبا عن "كورنواليس". وفي هذه الاثناء، التقى نائب السفير مع وزير المالية الطموح، فأبدى الاول تذمره من "الموقف اللين لحكومة المدفعي تجاه مشايعي الثورة وعدم استجابتها للمجهود الحربي البريطاني بالشكل الكامل المطلوب." ثم عبر له عن رأيه في انه لو اصبحت رئاسة الوزارة من نصيبه لاستطاع اداء خدمة "للحليفة" كما كان يطلق على بريطانيا انذاك، وهي "خدمة لا تقدر بثمن" على حد تعبيره! هجمات والظاهر ان الوزير اعتبر اقوال "هولمان" بمثابة تكليف، وهكذا شرع بشن هجمات
اسرار عراقية: ابراهيم كمال.. كلفوه بتأليف الوزارة فلما انجز التشكيلة طردوه!
نشر في: 22 نوفمبر, 2009: 04:29 م