اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > صـداقــات مــاركـــس

صـداقــات مــاركـــس

نشر في: 23 نوفمبر, 2009: 03:52 م

سعد محمد رحيم على العكس مما يظن بعضنا لم يكن فردريك أنجلس هو صديق كارل ماركس الوحيد، وإن كانت الصداقة التي ربطتهما هي الأقوى والأخصب في حياة الرجلين. كان ماركس بطبعه وفوران روحه الاجتماعية ميالاً إلى عقد الصداقات وإدامتها على الرغم من متطلبات وضعه مفكراً وفيلسوفاً،
والتي تدفعه بالضرورة إلى العزلة والتوحد. لكن تلك الصداقات، كانت تتنفس أبداً في أجواء فكرية عارمة، وفي ساحات الكفاح السياسي المحتدم. أي أن ماركس كان يبحث عن الصديق الصنو، والصديق الند، والصديق المتفهم والمتعاطف، والصديق التابع (فكرياً وسياسياً). وأية قراءة لسيرته في هذا الجانب تُرينا كيف أن تلك الصداقات كانت تفضي إلى تفاعلات فكرية مثمرة، تنعكس عنها التماعات واستبصارات وشرارات فكر ببلاغة رفيعة نفاذة. وتُنتج عنها مقالات ودراسات ورسائل وكتب شكّلت بمجملها ما يُعرف اليوم بالمنابع الرئيسة للفكر الماركسي. ولولا تلك الصداقات ربما لم تكن للنظرية الماركسية أن تتخذ صيغها وسماتها ومحتوياتها ومساراتها التي انتهت إليها فيما بعد. لم يكن ماركس فيلسوف البرج العاجي.. العقل البرجوازي المغرور الذي يراقب العالم من علٍ مثل إله زائف. ولم يكن من أولئك المفكرين والفلاسفة الذين تستغرقهم النظريات المجردة فيهيمون في عوالمها التي قد تكون متسقة منطقياً في الظاهر لكنها لا تصمد في أثناء خضوعها لامتحان الواقع والتاريخ. والواقع والتاريخ مثلما نعلم هما اللذان يُكسبان الفكرَ الحرارة والصدق والمعقولية والروح، ويجعلانه مصدر إضاءة لهما، وأداة للتغيير. وهذا كله كان يفرض على ماركس النزول إلى أرض الواقع والانغمار في معمعة النشاط السياسي. وكان بحاجة إلى خوض نقاشات حامية مع الآخرين، أو تبادل الآراء والأفكار معهم عبر الرسائل. وبذا كانت الصداقات تساهم في بلورة قناعات ماركس وأفكاره. لم يكن كارل ماركس، في مراحل حياته المختلفة، على وفاق مع أصدقائه كلهم ( ربما باستثناء أنجلس ) فقد دخل في سجالات ساخنة مع أولئك الذين عرفهم عن قرب. وأحياناً كانت السجالات تلك تؤدي إلى الخصومة والقطيعة الاجتماعية. فماركس لم يكن ممن يتساهلون في مواقفهم وآرائهم، أو يتملقون أصحاب الشأن والمال. كان ماركس حاداً وساخراً فيما يكتب، وكانت تحليلاته العميقة وتعليقاته المتهكمة تربك أصدقاءه ومناوئيه في الوقت عينه. وهذا ما جعل بعضهم ينجذب عن قناعة إلى حلقته، وبعضهم الآخر ينفر منها. إن روحه الاجتماعية المتفتحة، ومرحه، وحتى سخريته المريرة، في أوقات المحن والفاقة، كانت عناصر لتغذية صداقاته، وإنقاذه من حالات العزلة والكآبة واليأس. ولذا كان ماركس في أحلك الظروف ذا إرادة قوية، ونفس وثّابة متفائلة. من ناحية أخرى كان عمله في الصحافة لسنوات عديدة مناسبة للتواصل مع الآخرين وعقد علاقات عمل وصداقة معهم. قد تكون مؤقتة عابرة أحياناً وقد تكون دائمية وراسخة أحياناً. وفي النهاية كان عقل ماركس ينضج يوماً بعد آخر بتأثير عوامل شتى واحد منها صداقاته مع من كانوا جديرين بتلك الصداقة وذوي فائدة في تحفيز فكره ليترك لنا ذلك الإرث الوفير والثري والخلاّق. عاش ماركس طفولته في أجواء عائلية حميمة.. العلاقة الزوجية بين أبويه ممتازة، والمناخ العام في البيت لا يكاد يعكِّره شيء، وأخته الكبرى ( صوفي ) تضفي من روحها المرحة على ذلك المناخ ما يجعل الأيام تمر بيسر وفرح وسلام. وإذا كان ذكاء كارل وقوة شخصيته وشغفه بالثقافة والعلم شروط ضمان تُطمئن العائلة على مستقبل ابنها فإن الأب "لاحظ من طرف خفي الشيطان الذي يركب ابنه المفضل". بالمقابل ستبقى الأم لسنوات طويلة تشعر بالأسى لأن ابنها لم يسلك السبيل القويم ويصبح محامياً كأبيه، وأهدر طاقته في دراسة الرأسمالية ونقدها والنضال ضدها بدل أن يعمل من أجل جمع رأس مال محترم يعينه في مواجهة صعوبات الحياة المعيشية!. لم يشر ماركس في أية مناسبة إلى رفاق مدرسته في ( تريير ) حيث تخرّج في كليتها، ويبدو أن لا أحد منهم ترك، هناك، تأثيراً قوياً عليه. ومن أولئك لم يدل أحد بتصريح أو تعليق عن كارل ماركس حين اتسعت شهرته بعد سنوات. كان والده أول أصدقائه ربما.. يشجع ابنه على الاغتراف من منابع الثقافة ويحس بالقلق لما يلمسه من طبيعة صلبة في شخصية الفتى والتي تختلف عن طبيعته هو اللينة. وسيكتب ماركس رسالة مفصلة عن سنته الأولى في برلين ( بدءاً من تموز 1836 ) موجهاً لوالديه، يتحدث فيها بطلاقة، ومن دون مواربة، صديقاً لأصدقاء، عن كفاحه الصعب للقبض على الحقيقة، حيث "يصل به الأمر إلى حد الإنهاك الجسدي والعقلي، كما تكشف عن ظمأه الذي لا يرتوي إلى المعرفة، وقدرته التي لا حدود لها على العمل المتواصل ونقده القاسي لنفسه". وكان والد خطيبته جيني ( لودفيغ فون فستفالن ) صديقاً من نوع آخر. وقد وجد كارل في منزل فستفالن جواً ثقافياً منعشاً يفتقر إليه منزل والديه، وكذلك مدرسته. وسيبقى يخاطب الرجل الكبير بـ ( صديقي الأبوي العزيز ) ويحس تجاهه بأعظم العرفان.. كان فستفالن "يلقي مقطوعات كاملة من قصائد هومر، وكان يحفظ عن ظهر قلب معظم مسرحيات شكسبير بالإنكليزية، وبالألمانية أيضاً". ظل ماركس طوال سنوات عمره بحاجة إلى ذلك الطرا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram