احمد حسن الزيات رحم الله اخانا الشبيبي.. كان كرسيه في مؤتمر المجمع متميز الوجود مرموق المكانة ظاهر الجلالة وكان جهده العملي في المؤتمر واضح الاثر، جاني الثمر، خصب الانتاج.. وكان مكانه في العراق مكانة القائد المتبع، تحلقت من حوله النوازع الجديدة في النجف وتجمعت من ورائه المبادئ الحرة في بغداد
 فقاد حركة الاصلاح الديني في الجامع وجاهد في سبيل الاصلاح السياسي في الحزب وشارك في معركة التحرر من الانكليز في الشعيبة وكان تاريخه كله مثلا في الشجاعة والحفاظ والاستعلاء والانفة.. ومن جرائر هذه الخلال عليه انه لم يتول منصبا او يتقلد وزارة الا استقال بعد قليل اما لباعث يرجع الى وطنيته واما الى سبب يمت الى كرامته.. استقال من وزارة المعارف مرتين، مرة في سنة 1925 لاختلافه مع رئيس الوزراء على اتفاقية النفط الاولى، واخرى سنة 1935 لاختلافه يومئذ على سياسة التعليم واختيار المعلم، واستقال من رئاسة المجمع العلمي العراقي وعضويته سنة 1948 لعوائق من الاذى وضعها في طريقه خصيمه المبين نوري السعيد، واستقال من مجلس النواب سنة 1950 مع النواب المعارضين الخمسة والثلاثين لاستطالة بعض الاعضاء الحكوميين على حرم المعارضة.. ثم دعاه التصون والاحتشام الى ضرب من العزلة الشاعرة ابتدأت في حوش من احواش النجف وانتهت الى قصر من قصور الكرادة، فقليلا ما كان يغشى مجلسا او يشهد مجتمعا او يحضر منتدى، لم يكن كمعاصريه الرصافي والزهاوي حديث مجلس او نديم ملهى او سمير انس او شاعر حفل او صاحب فكاهة.. انما كان طريقة وحده في سمو الخلق وشرف الصحبة ونبل الغرض ولذلك انحصرت شهرته بين طلاب الادب الرفيع من الخاصة واقطاب الرأي المعارض من الساسة..كان وهو متربع في حجرته المتواضعة في النجف على حشيته الضيقة فوق حصيرته الواسعة واوراقه منشورة امامه وكتبه منثورة حوله يرقب طالع العهد الجديد من بلاط الملك الهاشمي في الرصافة ومن دار المعتمد البريطاني في الكرخ.. فيرى الارادة العربية مكبلة بالقيود الانكليزية لاتتحرك الا بقدر ولا تتصرف الا باذن فيجيش صدره بالشعر المثير ويتحرك لسانه بالنثر الموقظ فتتناقل الافواه هذه الصيحات على شواطئ الفرات من الكوفة والحلة الى الناصرية والبصرة فتفعل فعلها الساحر في نفوس الشيعة الناقمين على الاحتلال والحكم والملك.. وعلماء النجف، ومنهم الفقيد، كانوا في عهد الغزو الانكليزي للعراق كما كان علماء الازهر في عهد الغزو الفرنسي لمصر.. اليهم يرجع الامر وعنهم يصدر التوجيه وعليهم يعتمد العامة.كنت في مطلع العام الثلاثين من هذا القرن في بغداد اؤدي واجبا ادبيا في دار المعلمين العالية وكان الملك يومئذ في ايدي العرب والحكم في ايدي الانكليز والمناصب اعلاها في يد هؤلاء وادناها في يد اولئك، فكانت الحال في ذلك الحين محنة ابتليت بها كفاية الملك، فالانتداب البريطاني كان قبل الملكية يعمل في العلن ويحمل التبعة فأصبح بعدها يعمل في السر ولاتبعة عليه.. والحكومة العراقية كانت بادية البلى ممزقة الجوانب لاتستطيع بخروقها ان تستر العرش فالملك بحكم الوضع كان يستر الانكليز ولكن الوزارة بحكم الضعف كانت تكشفه وكانت اوزار اولئك واخطاء هؤلاء تحمل في رأي المعارضة والشعب على الملك. والشعب العراقي على اختلاف نوازعه وعقائده واجناسه ناقد، متمرد، طموح، لايصبر على مقت ولايغفل عن خطأ، وكانت الشيعة اشد الناس ضيقا بهذه الحال لانهم كانوا على كثرة عددهم ووفرة ثرائهم قليلي الحظ من المناصب القيادية ومرجع ذلك الى ان الذين مالأوا فيصلا في ثورة العرب على الترك في الحجاز وآزروه على تبوء العرش الاموي في الشام وهاجروا معه، بعد ميسلون، الى حاضرة الملك العباسي في العراق.. كانوا من الضباط العراقيين السنيين الذين ربتهم تركيا في مدارسها واعدتهم للحكم والحرب كجعفر العسكري وياسين الهاشمي ونوري السعيد فثبتوا اركان الدولة وتقلدوا مناصب الحكومة. والشيعيون في العراق والمارونيون في لبنان كانوا في خلافة بين عثمان كالموالي في خلافة بني امية.. ابعدوا عن مناصب الدولة فاشتغلوا بالعلم، وحيل بينهم وبين موارد الثقافة في عاصمة الخلافة فاعتمدوا في التعليم على انفسهم.. وكان اعتماد الشيعة في التعليم على النجف، والنجف كانت كالازهر لاتخرج الا فقهاء في الدين وعلماء في اللغة، اما سائر الشعب فقد ظل تابعا لهؤلاء يسير على هديهم وينزل على حكمهم ويجري في امور دينه ودنياه على سنتهم،، فلما كانت الملكية الفيصلية لم تجد اكثرهم من يصلح للوظائف العامة فتولاها اخوتهم من اهل السنة.. لذلك كان اول ما اثار عجبي يوم قدومي الى بغداد اني وجدت وزير المعارف اميا يختتم بخاتم ولايوقع بقلم، فلما سألت عن السبب قيل لي ان العرف جرى بأن يكون في الوزارة عضو شيعي وهذا الرجل ثري مسالم فوقع اختيارهم عليه، ولاضير ان يكون وزير المعارف اميا مادام الامر كله بيد المستشار الانكليزي. وقد جربوا في الوزارة من جربوا من ائمة الشيعة فلم يحمدوا التجربة لان هؤلاء العلماء كانوا يستريبون بحاشية القصر ويستوحشون من دار الاعتماد فارادوا ان يغلوا من ايديهم ويكفوا من السنتهم فمنعوهم ورد الفرات والفرات نهر الشيعة تنزل على ضفافه الخصيبة القبائل البدوية، ويفرض المجتهدين بقواه المادية والرو