قصي سالم علوان برغم انشغال المرحوم الشيخ الشبيبي بالعمل السياسي الذي اعطاه من جهده ووقته الكثير فان ذلك لم يصرفه عن المساهمة في الكثير من الشؤون الثقافية ومؤسساتها، فقد كان رجلا جم النشاط، متعدد الاهتمامات، له في كل مجال نصيب،
حتى ليستغرب من رجل واحد ان يشارك في كل تلك المجالات ثم يكون له في كل منها مكان مرموق، وكأنه قد تفرغ له فقد كان شاعرا له منزلته بين شعراء العراق المعدودين، وقد كان معنيا باللغة العربية وتراثها، عمل في سبيل الحفاظ عليهما، ونشر كنوزهما ما عمل. ولسنا هنا نريد ان نتحدث عن نتاجه الشعري او اللغوي او التراثي فلذلك مجال آخر، وانما نريد ان نتحدث عن مشاركاته في الهيئات والمؤسسات الادبية والعلمية، تلك المشاركات التي تدل على فاعلية في تلك المجالات، من جهة، وعلى مكانته فيها، من جهة ثانية.. فعند اقامته في الشام سنة 1920، بعد عودته من رحلته الى الحجاز التي انتدبه لها العراقيون، كان ان دعا الملك فيصل طائفة من شعراء الشام وادبائها، ونزلاء هذا البلد من الشعراء والادباء، مثل الشيخ فؤاد الخطيب وخير الدين الزركلي ويوسف حيدر وشفيق جبري لانشاء جمعية ادبية فكان الشيخ الشبيبي من ضمن هذه الطائفة المختارة. وعندما عاد الى العراق، وانشأت طائفة من ادباء النجف الاشرف ومثقفيه سنة 1932، (منتدى النشر) تبنى الشبيبي فكرته منذ ولادته وسايره في مختلف ادواره حتى استطاع ان يقوم بدور كبير في نشر الثقافة العلمية والادبية. كما قام بتشجيع (الرابطة العلمية الادبية) التي أنشئت قبله بثلاث سنوات، وفي النجف ايضا، وكانت لها مساهمتها الفعالة في بعث الحركة العلمية الادبية في هذه المدينة، فأهدى اليها مجموعة قيمة من الكتب، كانت اول هدية ثقافية تهدى اليها، ثم اجاب طلبها طبع ديوانه كما يقول المرحوم الشاعر محمود الحبوبي، احد مؤسسي الرابطة برحابة صدر ورغبة شديدة تشجيعا لمؤسستنا ومساهمة في نشر الثقافة والادب. ووقت ان بدأت في العراق اول محاولة لتأسيس (مجمع علمي) وهي محاولة ثابت عبدالنور في (المعهد العلمي) في بغداد سنة 1921 كانت الهيئة المؤسسة تتألف من خمسة عشر عضوا، كان الشبيبي في طليعتهم.. وعند سنة 1934 تقدم الشبيبي الى الجهات المسؤولة مع جملة من الشعراء وحملة الاقلام منهم اخوه الشيخ محمد باقر الشبيبي والشيخ علي الشرقي ورفائيل بطي وابراهيم حلمي العمر وعباس العزاوي والدكتور فاضل الجمالي فأسسوا (نادي القلم العراقي) واختير جميل صدقي الزهاوي رئيسا له ثم رأسه الشبيبي بعد وفاة الزهاوي مايقارب عشرين سنة.. وفي سنة 1947 الفت وزارة المعارف هيئة قوامها اربعة من رجال العلم والفكر لتختار من ترى فيه الاهلية لعضوية (المجمع العلمي العراقي) كان الشبيبي ضمن تلك الهيئة وبعد ان تم اختيار العدد المطلوب من الاعضاء وقع الاختيار على الشبيبي ليكون رئيسا لاول مجمع علمي عراقي.. ولكن بعد ظهور تفسير للفقرة الثالثة من المادة الثلاثين من (القانون الاساسي العراقي) وهو يحول دون الجمع بين الوزارة والعضوية في المجلس التشريعي وبين عمل آخر من اعمال الدولة تخلى الشبيبي عن عضوية المجمع لكونه آنذاك عضوا في مجلس النواب.. وبعد حل هيئة المجمع ووضع قانون جديد له سنة 1963 اختيرت لجنة قوامها عشرة اعضاء اختارت خمسة آخرين كان الشبيبي في طليعتهم،، وما لبث ان انتخب مجددا رئيسا للمجمع، ولكنه رغب الى زملائه باعفائه من منصب الرئاسة اكثر من مرة، فأصروا على رأيهم ولم يسعه الاّ النزول على تلك الرغبة. وقد انشأ المجمع العلمي العراقي، والشبيبي في رئاسته، خزانة الكتب، واصدر (مجلة المجمع العلمي العراقي) المعروفة، وانشأ شعبة فنية مجهزة بالالات والاجهزة كما قدم المجمع العون الى العديد من المؤلفين الذين تقدموا بمؤلفاتهم لنشرها، ولم يدخر جهدا في تصوير المخطوطات وتيسيرها للباحثين، ووضع الجوائز للنابهين من الطلبة الجامعيين، واشترى الكثير من الكتب الصادرة في العراق تشجيعا للحركة الثقافية، كما قوى صلاته بالمؤسسات الثقافية في العراق والوطن العربي وخارجهما. وقد كان المرحوم الشبيبي على رأس عدة لجان في المجمع ظهر فيها نشاطه وفعاليته وقد اختتم اعماله في المجمع بأن وجه المجمع دعوة الى (مجمع اللغة العربية) في القاهرة، الذي هو احد اعضائه العاملين، لان يعقد دورته الثانية والثلاثين في بغداد لزيادة الروابط بين الاشقاء العرب. قلت اختتم اعماله في المجمع لان الشيخ الشبيبي لم يستمر في عضوية المجمع ورئاسته، اذ لم يلبث ان استقال منه في 15 تشرين الثاني سنة 1965، ولم يشارك في المهرجان الثقافي الكبير الذي شهدته بغداد في مؤتمر مجمع اللغة العربية الذي دعا اليه المجمع وقت ان كان الشبيبي في رئاسته،، ولم يجد رد استقالته ولاجهود اللجنة التي شكلت من اعضاء المجمع لاقناعه بالعدول عن الاستقالة، وقد حدثني من اثق به ان استقالته كانت لتدخل الحكومة آنذاك، في شؤون، هي في رأي الشبيبي، من اختصاص المجمع. واذا كان دور الشبيبي في المجمع العلمي العراقي ما ذكرنا، فان له من المساهمة في مجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي انتخب عضوا فيه منذ سنة 1948 ما يشهد بها له زملاؤه في المجمع المذكور. يقول ا