سعد محمد رحيمأعتقد أن مهتماً بعلم العلامات (السيمياء) بشرط أن يكون حاذقاً في حقله، كان ليخرج باستنتاجات مثيرة وهو ينكب على دراسة العبارات التي يضعها أصحاب المركبات في بلادنا، على الزجاج الخلفي لمركباتهم. فهذه العبارات يمكن أن تُقرأ كدوال يقود التحري عن معانيها ومقاصدها الخفية،
إلى معرفة ببعض من آراء الناس ومعتقداتهم ومخاوفهم وأمنياتهم. وتكوين صورة عن جوانب من الرأي العام وثقافة المجتمع. غير أن من ينظِّرون، عندنا، يهملون، في الغالب، الجانب التطبيقي، ربما بسبب عدم تمكنهم من امتلاك واستيعاب أدواتهم المنهجية بشكل جيد. ونحن، قطعاً، لسنا بصدد الخوض في هذا الجانب، الآن. ولنعد إلى تلكم العبارات التي أثارت في السبعينيات انتباه الكاتبة اللبنانية غادة السمان التي كانت تزور العراق في حينها. فأشارت في مقال لها إلى هذه الظاهرة اللافتة. من تلك العبارات ما تُفصح عن مخاوف واضعيها من الحسد، مثل الآية الكريمة (ومن شر حاسد إذا حسد). أو هذه الكلمات الطريفة (عضّة أسد ولا نظرة حسد). والغريب أن هذه العبارة نجدها في أكثر الأحيان مكتوبة على الخزانات الصغيرة لعربات النفط أو أكشاك بيع الفلافل والبطاطا المقلية. أو تلك العبارة الذكية المخاتلة التي لا يُخفى القصد منها (اللهم أعطهم ما يتمنون لنا). وثمة عبارات كثيرة هي أدعية وصلوات وتوسل بالله، والأنبياء والأئمة، وآيات قرآنية مثل (الحمد لله رب العالمين)،وعبارات (سترك يا رب)، (أحفظنا يا رب)، (يا الله). وأذكر عبارة شهيرة كان عدد غير قليل من سائقي المركبات يلصقونها على مؤخرات مركباتهم، ولم نعد نراها اليوم إلا على زجاج بعض السيارات القديمة وهي: (لا تسرع يا بابا، نحن بانتظارك). وأظن أن دلالة العبارة هذه في غاية الوضوح. لكن بالمقابل هناك، في الوقت الحاضر، عبارات تعلن التحدي، وتحث السائقين الآخرين على زيادة سرعة مركباتهم مثل: (ألحقني إن كنت تقدر)، (امسكني وأعطيك الليرة). وبطبيعة الحال، يمكن لهذا أن يحصل في الطرق الخارجية والصحراوية وليس في شوارع المدن المزدحمة. وقبل أيام وأنا عالق في سيارة أجرة وسط زحام بغداد قرأت عبارتين متناقضتين على الزجاج الخلفي لحافلتين من نوع (كوستر) تعبّر كل منهما عن نظرة مختلفة للوضع القائم.. العبارة الأولى هي (تفرج يا عراق) وتنم عن رؤية متفائلة وثقة بالمستقبل. أما الثانية فتجعلك تضحك وتتألم في الوقت نفسه وهي (خربانة كلش)!. وتنطوي عبارات أخرى على رسائل عاطفية موجهة وإعلانات صريحة عن الإعجاب والحب من قبيل (أحبك هيفاء)، (أموت عليك)، (عيون خالدة)، (حن وآني أحن)، (ارحميني توحة). واعتزازاً بمركباتهم نجد من يُطلقون عليها تسميات ذات مهابة مثل (الدكتورة)، (الأستاذة)، (الطالبة). أو استفزازية مثل (الوكحة). وعلى حد علمي ليست هناك، في مؤسساتنا الأكاديمية والبحثية، دراسات علمية مستفيضة عن هذه الظاهرة، ولا عن ظاهرات مشابهة، على الرغم من أن تلك العلامات والمعاني مطروحة على الطريق كما يقول الجاحظ. وبحاجة إلى من يلتقطها ويُدخلها في ميدان دراساته وأبحاثه، علّنا نفهم أنفسنا ومجتمعنا بشكل أعمق.
عبارات على المركبات
نشر في: 25 نوفمبر, 2009: 04:38 م