TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > ديمقراطية الخورمز!

ديمقراطية الخورمز!

نشر في: 25 نوفمبر, 2009: 05:01 م

يوسف أبو الفوزليس أغرب من الديمقراطية في بلادنا-عزيزي القارئ- فهي ديمقراطية "خورمز"!، اما ما هو هذا الخورمز- بالزاء المعجمة- فصبرك عليّ وسأقولها لك، بعد ان أحكي لك عن تلك العجوز العراقية التي سألوها عن رأيها بأهمية الديمقراطية من بعد سقوط الصنم،
فسألت ـ المسكينة ـ بدورها : "وما هي الديمقراطية؟"، فقالوا لها: "يعني ان يكون عندك رئيس جمهورية ورئيس وزراء ومجلس نواب كل اربع سنوات "، قالت ـ العجوزـ بكل براءة : "والله ولا أحسن منها، لكن لو يجعلوها كل سنتين حتى الناس تحوسم وتفرهد وتستفيد "!. هذه طبعا نكتة-عزيزي القارئ-ولكنها تعبر عن أشياء عديدة، ومنها واقع الفساد الذي غرق فيه عراقنا بسبب من ديمقراطية الخورمز التي يعيش أبناء شعبنا في ظلها ويتلقى نتائجها الكارثية! كان يقال لنا ان سبب تلكؤ عمل مجلس النواب العراقي بسبب رئيسه، فتغيّر الرجل، لكن الأمور ظلت على حالها، وظل مجلس النواب مكانا مثاليا للخلاف ـ وليس الاختلاف ! ـ والصراع الحزبي والطائفي والاثني والمناكدة وفتل الشوارب ومناورات كسر العظم، كل ذلك ـ عزيزي القارئ ـ يحدث باسم الشعب ولكن واقع الأمر بعيد عن هموم أبناء شعبنا الحقيقية وحاجاتهم ومتطلباتهم الضرورية. لم تكن جلسات مجلس نوابنا الديمقراطي ناجحة ومميزة وحاسمة وسريعة إلا عند التصويت على القرارات التي تهم مصالح وامتيازات النواب الخورمز، الذين رواتبهم لا تشبه رواتب أي نائب ديمقراطي في العالم، هذا من غير التكاليف المدفوعة من مال الشعب للنواب الأفاضل في مواسم الحج المتكررة وزيارة عوائلهم خارج العراق ورحلات الترويح عن النفس بسبب جهد العمل !! ومن إنجازات مجلس نوابنا الموقر كانت الجلسة الخاطفة والمتميزة التي بموجبها صار النواب وعوائلهم يحملون جوازات سفر دبلوماسية لمدة عشر سنوات ! في الدول المتحضرة التي تعيش الديمقراطية الحقيقية وتمارسها مثلما تنص عليها قوانين البلد، تكون وسائل الإعلام سلطة رابعة حقيقية تملك إمكانات الرقابة للإطاحة بأي مسؤول ـ مهما كبر ! ـ اذا خرق قوانين البلاد، وفيما اذا ثبت استغلاله لموقعه الرسمي لغايات شخصية، وفي عراقنا بحّت أصوات إعلاميينا من الصراخ والتلويح بقصص الفساد "الديمقراطي"، فلم يتلق البعض منهم جواباً سوى السباب والشتائم، وتلقى البعض الآخر الإهانات مصحوبة بالضرب بأعقاب البنادق ومنهم من تلقى التهديد بالقتل. المتفائلون يقولون : "اصبروا علينا، نحن بلد ورث تركة ثقيلة من نظام ديكتاتوري فاسد"، وهذه ـ عزيزي القارئ ـ حفظناها وفهمناها جيدا، فنحن نعرف بأننا بلد عشنا بدون تقاليد ديمقراطية من عقود طويلة، فلم نعرف سوى مجالس قيادة الثورات التي راح يأكل بعضها البعض وبالتالي أكلت الرخاء والسلام في بلدنا وما تبقى من بوادر ثوابت حضارية ظهرت مع نشوء الدولة العراقية. نحن الآن نعيش في ظل مرحلة عدم احترام الثوابت والقوانين من قبل ممثلي الشعب أنفسهم، ولا يعني ما نقوله أن نواب الشعب لا يعرفون ما هي الديمقراطية، استغفر الله انهم يعرفونها جيدا ويفهمونها بشكل ممتاز لأنهم-وبامتياز نواب الخورمز، وخورمز-عزيزي القارئ-هي كلمة كردية، لشيء لا وجود له في الطبيعة، اشتقها المواطن الكردي للاستخفاف بمن يركبه الطمع ويريد ان يستحوذ بأنانية على كل شيء حلو، وهي مركبة من كلمة "خورما" الكردية وتعني التمر وكلمة "منيوز" الكردية وتعني زبيب، فنوابنا يطلبون الخورمز، ويتقاتلون ويستأسدون لأجله بمختلف السبل والوسائل، ولكن ليس لأجل الشعب الذي صوّت لهم وجاء بهم الى قبة البرلمان، والمطلوب منه إعادة انتخابهم من جديد، بل لأجل مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم أولاً وتالياً!، وعلينا ان نذكّر ان نوابنا المحترمين ينسون ان الخورمز الذي يطلبونه، والذي يستحيل وجوده، هو عند الناس من جانب آخر يعني الفشل في نهاية المطاف، أي انهم سيخرجون من المولد بلا زبيب وبلا تمر وبلا خورمز ! وسنلتقي !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram