TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > الأشجار واغتيال مرزوق وشرق المتوسط..أزمة الانسان العربي في الإبداع الروائي

الأشجار واغتيال مرزوق وشرق المتوسط..أزمة الانسان العربي في الإبداع الروائي

نشر في: 4 ديسمبر, 2009: 06:19 م

د. شجاع مسلم العانيفي الوقت الذي كان فيه معظم الروائيين العرب منشغلين في البحث عن صنعات فنية جديدة، ومنغمسين في تجريب أشكال تساير ما وصلت إليه الرواية عالمياً، كان الروائي العربي عبد الرحمن منيف، يضع نصب عينيه قضية الانسان العربي ومصيره في ظل الأوضاع الجديدة،
 التي دشنتها الطبقة المتوسطة منذ الخمسينات من القرن الماضي في اكثـر من قطر عربي. ان التغيير السياسي والاجتماعي وما ادي اليه من اغتراب الانسان في ظل انظمة استبدادية، وفي ظل فقدان الحرية والعدالة الاجتماعية هو الموضوع الرئيس في روايات منيف. وفي معظم روايات الكاتب، يتم التغيير الاجتماعي، والتحول من اقتصاد الاكتفاء الذاتي الذي تتسم به النظم الاقطاعية الي اقتصاد السوق، فيؤدي هذا التغيير الى نشوء انظمة سياسية استبدادية وقهرية، والى التوزيع غير العادل للثروة القومية، فيغترب الانسان وينفصل عن الطبيعة وعن المجتمع وعن ذاته. وعلى حين نجد ان اغتراب شخصيات منيف التي تنتمي الى الطبقات الشعبية المسحوقة، ناجم بالأساس عن تقسيم العمل وما يتطلبه هذا التقسيم من مهارات وتخصص، وما يؤدي الىه من ضمور لامكانات الانسان، نجد ان اغتراب شخصياته من فئة الانتلجلنسيا، لا ينجم عن تقسيم العمل، وما تواجهه رغبات الانسان وغرائزة في ظل الحضارة الحديثة من قمع، بل وينجم اساساً من القمع والارهاب اللذين تمارسهما انظمة استبدادية توليتارية، ترافق عملية التغيير وتنشأ عنها، وتتضح هذه الحقيقة أكثر مما تتضح في رواية الكاتب الأولي، وفي عنوانها الرامز الى هذا الموضوع "الاشجار واغتيال مرزوق". ان اغتيال مرزوق، المناضل الذي سعي من اجل الثورة والتغيير الاجتماعي، يتم حين تقطع اشجار قرية الطيبة وتتحول من اقتصاد زراعي قائم على الاكتفاء الذاتي الى اقتصاد السوق وزراعة القطن بديلاً لأشجار الطيبة. وكما ان عنوان الرواية يقوم على التشريك الذي يحدثه واو العطف والوصل بين الاشجار وعملية الاغتيال، فان الرواية تقوم على قصتين وعلى حبكتين تتجاوران معاً. والقصة الأولي هي قصة الانسان البدائي "الياس نخلة" الذي خسر اشجاره في عملية مقامرة، فتشرد بحثاً عن عمل وعن لقمة العيش، في حين تروي القصة الثانية تجربة الاستاذ الجامعي "عبد السلام منصور" الذي يفصل من الجامعة بسبب عدد من التقارير التي يرفعها الى المسؤولين الجواسيس من طلبته، ليتشرد هو أيضاً بحثاً عن عمل ولينتهي به الامر الى الجنون والى اطلاق الرصاص على صورته في المرآة، في الفندق الذي يعيش فيه.وفي احدي عربات القطار المتجه نحو الحدود يلتقي البائع الجوال للملابس المستعملة "الياس نخلة" الذي يمتلك رؤية اسطورية للواقع، باستاذ التاريخ المفصول من الجامعة، عبد السلام منصور لقد يذكرنا بلقاء "زوربا" بـ "المعلم" المثقف في رواية كازنتزاكي "زوربا". وعلى حين يروي الياس مأساته بطريقة عفوية، يبدو فيها السرد اقرب الى التقرير العفوي البسيط، بكل ما فيه من ملامح القص الشعبي، يستعيد منصور مأساته عن طريق تيار الوعي احياناً، وعن طريق الرواية الموضوعية في احيان أخرى ولقاء الياس بمنصور هو بمثابة لقاء الماضي بالحاضر، والاسطوري بالواقعي. وفي السرد الاستعادي لقصة منصور تتضح العناصر الاجتماعية والسياسية والثقافية الصانعة لمأساته، فمنصور الذي يحمل في حقيبته مقدمة ابن خلدون وملحمة جلجامش وفكر كارل ماركس، وكتاب ليرمنتوف الجيل الخائب" شبيه ببطل ليرفنتوف في "بطل من هذا الزمان". (فبتشورين) الذي انقضت سنوات حياته بدون عمل والقوى الكبيرة التي يحسها مهدورة في نفسه لا تعمل، ذلك لانه في امبراطورية نيقولا الأول؛ في ذلك العهد الذي طغت فيه رجعية مجنونة، لم يبصرأي هدف، ولم ير أية امكانية للنضال، على قول الثوري الكبير (هيرتسن). ان عبد السلام الذي انتمى الى حزب اشتراكي في مصر منذ صباه، واسهم في الثورة والتغير الاجتماعي، ولكن حين قامت الثورة كان احد ضحاياها بان فصل من عمله، ومرزوقاً "الانسان الذي ذرع الوطن من الشمال الى الجنوب من اجل ان يصبحوا حكاماً.. مرزوق الآن ميت. هل له قبر؟ هل دفنه احد" قتل مرزوق على ايدي الامراء الجدد "لا أحد يدري كيف قتل انه وجد مقتولاً والسلام"!. وبفعل كل ذلك انتهي منصور الى العدمية وانتهي الى ترديد ابيات ليرفتوف: "فراح مبتذل وبليد ولعب اخرق بالألفاظ" وإذا كان الروائي يلجأ الى الأساليب الحلمية والكابوسية في كشف اغتراب البطل، بحيث يقترب من رواية (المسخ لكافكا) فان روايته والنهايات" شهدت توجهاً نحو الاسطورة وبدا تأثير ماركيز وروايته مئة عام من العزلة واضحاً في الجوانب الفنية من الرواية. ان من أولى المسلمات في الاسطورة والثقافة البدائية، ان يجمع الانسان بين الطبقية والمجتمع في وحدة كونية واحدة، وتعد الوحدة الكاملة بين الانسان والحيوان والنبات والحجر والحياة والموت، وبين الفرد والجماعة فرضاً أولياً في جميع الطقوس السحرية البدائية. وفي اعمال منيف يحدث التغيير فيحطم وحدة الحياة هذه فيغترب الانسان عن الطبيعة وعن نفسه، وفي رواية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram