TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قناديل: أن يقف المثقف جانبا ويهجو الزمان

قناديل: أن يقف المثقف جانبا ويهجو الزمان

نشر في: 5 ديسمبر, 2009: 05:43 م

لطفية الدليميهمست الكلمات لكاتب مكثر: كن رائيا، فنهرها: لا تشغليني بالرؤى وتبددي وقتي، اخرسي وانصاعي لحرفتي، أكاد أنهي كتابي الخمسين..قالت النجمة الصغيرة للعتمة التي أفزعت الطفل: خففي من قسوتك فأنا قادمة، قالت العتمة: سأهزمك يا ضئيلة،
 حزنت النجمة وتحولت إلى دمعة، سالت برقا ساطعا على وجه السماء، ضحك الطفل ونسي أمر العتمة.. - هل الانطفاء حالة إنسانية تخلفها الحروب؟ هل الصمت خيار للبقاء خارج اللعبة؟ أم أنه إرث حزين اكتسبه البعض من أزمنة القمع؟ هل يمكن أن نفسر صمت كثير من المثقفين إزاء الأحداث بأنه نرجسية اللامبالي بمصائر الآخرين وأقدارهم؟. أم تراهم يحدقون في غمائم الدخان ويخشون أن يفلت الزمن من قبضتهم فيعتصمون بالصمت ويستغرقهم ذهول السادرين في الكهوف؟ ألا توقظ الثقافة شهوة الحراك في المجتمع؟. ألا تلقي بأنوار الإبداعات الفكرية والفنية الخلاقة على عتمة الدروب؟ أهو الخوف ذاته من العقب الحديدية؟ أهو التحسب من الأصفاد بصيغها الأعنف؟ نراهم فوق التلال أو الهضاب، يسترخون على الشرفات الظليلة أو في الغرف الموصدة، أو في بعض المتاهات وأبراج العزلة، يلتزم كثرة منهم الصمت والاستغراق في التخفي أو اعتناق الحياد أو الكتابة عن تجريدات ذهنية وتهويمات خالصة لا دور لها في سياق تغيير الحياة وتجددها، يغرقوننا بالمصطلحات العائمة ويسوقون أفكارا مستهلكة، يستشهدون بمقولات بطل سحرها مستلة من متون نقاد ومؤدلجين غابرين، يفعلون كل هذا والأرض تفور بالأحداث والضحايا، يكتفون بالفرجة عن بعد، ويواصلون الاسترخاء في قناعاتهم العتيقة والدنيا نهب لحريق أو عرضة لخطر والحياة تنتظر منهم خلاصات تحفز التقدم ونتائج تستقرىء ما سيأتي، غير أن معظمهم يؤثرون السلامة بالانسحاب من ميدان المشاركة، يخشون الفعل والمواجهة، يتشبثون برموز تاريخية وحيثيات مندثرة وأيدلوجيات تهاوت، يتكئون على أفكار نحرتها التجربة، آخرون يديرون ظهورهم لساحة التحاور ومديات الجدل، يشيحون بوجوههم عن شؤون الراهن من أيامهم وأيامنا، يتمسكون بيقين متقرن عن وجود حقيقة واحدة في العالم، لا تهزهم فواجع الحاضر ولا تحرك مخيلاتهم متطلبات ولوج المستقبل، سلبيون حد الإمحاء وعاجزون حد التلاشي..هؤلاء هم الذين ينثرون بذار التراجع في حقول الحاضر، هم بياعو اليأس وسادة التيئيس وسدنة الخرافة والقبول بالقضاء والقدر والوقوف في انتظار بزوغ المعجزات.. - نعرف أن بعض الكتاب والمثقفين من كل صنف وتخصص وعلى اختلاف ما يرومون من الحياة، هم أكثر الناس هجاء للزمان، وأقدرهم على إعلان الشكوى من الدنيا وأهلها وذم الأحداث وصانعيها، والتصدي لكل مبادر وتهشيم أحلام الآخرين وتسفيه مشاريعهم وتجاربهم.. تتحكم بهؤلاء فكرة متسلطة تتعاظم بتعاظم الوهم لديهم، بأنهم المظلومون المبعدون عن كل المرابح والمكاسب، وليس لهم أنصبة من أسهم الحياة، يعلنون أنهم المنسيون والذين تتجاهلهم المؤسسات فلا تركن إليهم في استشارة أو رأي، ولا تستثمر خبراتهم في ترميم الثقافة أو إعادة بنائها، يغدقون اللوم على زمان لم يوفهم حقا ولم يبذل لهم ما يستحقون من تقدير واعتبار، يلوحون برايات العتب، ويصطادون حادثة من هنا وضحية من هناك ليعلقوا على عاتقها محنة الثقافة والمثقفين وأسباب التغييب والإقصاء والتجاهل.. هؤلاء الذين يقفون على مسافة سلامة من الأحداث -يرتقون تلالا تعصمهم، ويهتفون بالمغامرين المبادرين: تريثوا ولا تورطونا معكم فيما يؤدي إلى الهلاك، أنصتوا إلى مواعظنا واستمعوا إلى حديث الخبرة ودقة التقدير.. - يفتشون دوما عن ضحايا، ويتقمصون دور الجلاد بوعي أو من دونه، ينمسخ الضحية إلى جلاد يفوق سابقيه في مهنة البطش، معلنا الشكوى وهو في وقفته الراعشة على التل أو في اختفائه وراء حجب الخوف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram