محمد سعيد الصكار mohammed_saggar@yahoo.fr كلما شرعت بكتابة مادتي الأسبوعية للمدى، تعوّذت بالله من شر الهذر والإطالة التي تأخذ من القارىء وقتاً هو أحوج إليه، وقد لا تمنحه بديلاً لذلك، وهو عناء أظل أتقلب على فراشه، فأختار في نومي مثلما في صحوتي ما يمكن أن يقال بلا لغو فائض عن اللزوم،
وقلة في الجدوى، وحذر من مزالق الكلام. وأنا أغبط زملائي من كتاب الأبواب والأعمدة اليومية الثابتة على كفاءتهم في ملء أكثر من فراغ، وأحياناً في أكثر من جريدة أو وسيلة إعلامية. فالمسألة، بالنسبة لهم ليست مسألة احتراف وحشو للقول، بقدر ما هي نوع من الإيمان بجدوى الكلام، وقدرة على القبول بما يفرضه الواجب، وتمنحه الموهبة. وقد رأيت ما لا قدرة لي عليه من بعض زملائي الذين تجمعني بهم أماسِ جميلة تأخذ من أحاديثنا قسطاً يبعث على الانتشاء، رأيتهم ينسلون من صخب أحاديثنا وضحكاتنا، ويروحون يكتبون في دفاترهم ما سيظهر غداً في أبوابهم وأعمدتهم الصحفية، ويعودون إلينا بعد وقت قصير ليواصلوا سهرتهم معنا. مواهب وتجارب يسند بعضها بعضاً، تأتي إلى القارىء ساخنة كرغيف خبز. ولكن حين تزدحم الأحداث وتتوالى مصادر الكتابة أمام الكاتب، يجد نفسه وقد حوصر بالموضوعات ذات الأهمية التي لا ينبغي عليه أن يتجاهلها أو يفلت منها، فحار إلى أيها ينجذب، وأيها يفضّل، وأيها يقدم وأيها يؤجل. حيرة لا تخطر ببال القارىء، ولكنها حيرة تحيّر الكاتب. هنا يخرج الموضوع عن شروط العمل التي قبلنا بها دون عقد، وارتضيناها على الثقة والمسؤولية، مجاناً لرضى الله وقبول القارىء، وهي التي تنظم علاقاتنا على أحسن ما يرام. وهنا أيضاً يخرج الموضوع من شروط الالتزام الأدبي مع الجريدة واحترام مواعيدها، إلى الالتزام بحق القارىء وما ينتظره منّا. فهل من المعقول أن أواصل كتابتي عن (مزالق الشيخوخة) في هذا الجو المحتقن المتوتر والمشبّع بالانتظار المرير لما ستؤول إليه المناقشات التي أكلت قلوبنا بشأن قانون الانتخابات؟ كيف لمزاجي أن ينفتح على غير هذه الهموم في هذا الوقت الذي يسحق الأعصاب سحقاً، ويضبّب آمالنا بغدٍ يحترم كرامة الموقف، ويحمينا من الانسياق إلى مجانية القول والمراهنة على (علم الكلام الحديث) الذي لا علم فيه غير الوقوف في دائرة الضوء واقتناص المكاسب، وتدبيج المآثر الكلامية لمجرد الزعم بأنهم قالوا وشغلوا الناس بأقوالهم التي لم تعد ذات قيمة، والتي باتت مصدراً للسخرية والملل. أتكون كل هذه الوجوه الكريمة التي انتخبها الشعب لهذه المجالس الموقّرة، واطمأن إلى سلامة مواقفها، وحسن رأيها، وحرصها على إعلاء كرامة الوطن وإنقاذ أهله مما يُحيق بهم من مآسٍ، تقبل أن يستحيل العراق إلى كرة تتقاذفها الخطب العنترية والمواقف الاستعراضية؟ ألم يبقَ للحكمة وسموّ الموقف مجال يكبح اللعب بمقدرات هذا الوطن؟ أريد أن أطمئن إلى أن في هذه المجالس من يدرأ سقوط الوطن. أريد أن أسمع من يقول: كفى! فقد وصلت النفس إلى الحلقوم. أريد أن أرى فجر العراق ينبثق بعنفوان وصدق من هذه المجالس. وأريد أن أرى كريماً يتراجع عن الخطأ ويقول: إنا لله وإنا لهذا العراق. وأريد الاعتذار ممن كان ينتظر من قرائي أن يقرأ غير هذه اللوعة وهذا العجب.
إنــا لله، وإنـــا لـهــذا العـــراق
نشر في: 5 ديسمبر, 2009: 05:45 م