فريدة النقاشاحتلت إسرائيل المركز الرابع عالميا في البحث العلم عبر نشر علمائها أبحاثاً في دوريات أوروبية وأمريكية مرموقة ويصل ما تقدمه إسرائيل من إنتاج في ميادين البحث العلمي إلى عشرة أضعاف حجم سكانها، مقارنة ببلدان العالم الأخرى المتقدمة في الإنتاج العلمي،
ولا تتقدم على إسرائيل في هذا الميدان إلا سويسرا والسويد والدنمارك، وساهم الإسرائيليون عام 2008 في كتابة 60.1% من مجمل المقالات العلمية التي جرى نشرها في العالم كله، وف،عام 2005 نشر الباحثون الإسرائيليون 6309 أبحاث علمية متخصصة في بعض أهم الدوريات العالمية. وغابت الدول العربية عن القائمة إذ إن أبحاث العلماء العرب لم يعتد بها، لأن كل ما ينشر في هذه الدوريات يجري تحكيمه من قبل علماء كبار ومتخصصين مرموقين في ميادين عملهم، وواضح أن الإنتاج العربي لم يرق إلى مستوى النشر.. وقبل سنوات غابت الجامعات العربية عن أفضل خمسمائة جامعة في العالم، وتنادى،علماؤنا، وعلى رأسهم الدكتور (أحمد زويل) الذي سبق أن استكمل تعليمه في الخارج فحصل على جائزة نوبل، تنادوا لإنشاء جامعة عربية للدراسات العليا والأبحاث لتطوير البحث العلمي في البلدان العربية، ورعاية الطلاب الموهوبين والطامحين لاستكمال دراساتهم وأبحاثهم العلمية دون ضغوط. بينما ضمت قائمة الجامعات الأفضل سبع جامعات إسرائيلية. وفي تقرير التنمية البشرية في الوطن العربي الذي خصصه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عام 2004 عن المعرفة، إشارة قوية لأحد أهم أسباب تدهور البحث العلمي في البلدان، حين قال (إن برامج التعليم المعتمدة في العالم العربي تشجع على الخضوع والخنوع والتبعية والإذعان)، ومن المعروف أن التقدم في ميادين البحث العلمي يأتي عادة في سياق عام من تقدم المجتمع ككل من جهة، ومن توافر القدرة على الابتكار والإبداع دون أي قيود على البحث العلمي بما في ذلك قيود المعتقدات السابقة من جهة أخرى، وقبل ثمانين عاما قال (طه حسين) ما معناه إن دخول محراب العلم يقتضي من الباحث أن يترك كل أفكاره ومعتقداته المسبقة وراءه ليكون حرا تماما، فلا يستطيع الطالب الذي تعلم الحفظ والخنوع والإذعان وتلقي الأجوبة وتحريم الأسئلة أن يكون مبتكرا ومجددا. وفي كتابه الجديد قال الصحفي البريطاني براين ويتكر، الذي قضى سبع سنوات متجولا في المنطقة العربية مراسلاً لجريدة (الجارديان). ردا على السؤال الذي يحمل الكتاب عنوانه (أين يوجد الخلل في الشرق الأوسط؟).. (إنه الجو الفاسد الذي لا يشجع على التغيير والابتكار أو التجديد أو التفكير النقدي أو المساءلة أو حل المشاكل). ويستخلص الكاتب (أن الدول العربية غير قادرة على تطوير مجتمعات قائمة على المعرفة من دون إحداث تغيير اجتماعي وسياسي حذري، ويؤكد ضرورة الفصل بين الدين والدولة أساساً لا غنى عنه لأي أجندة إصلاح). وعلى عكس ما يبدو الأمر وكأن هذه الفكرة الأخيرة لا علاقة لها بتدهور التعليم والمعرفة وفقر البحث العلمي، فإن التحليل العميق والمشاهدة المثابرة لحالة تردي التعليم تدلنا على التدخل المتزايد لمن يسمون أنفسهم رجال الدين في شؤون التعليم ومناهجه، وخلق حالة ثقافية تقود النشء إلى البحث عن جذور كل العلوم الحديثة في القرآن الكريم والخلط بين المقدس والدنيوي، وانخراط أجهزة الإعلام في هذه اللعبة الخطرة والتي كانت أحد الأسباب الأساسية لشل قدرتها على الابتكار في ميدان البحث العلمي والوصول بنا إلى هذه الوضعية المأساوية حيث نجد أنفسنا في ذيل بلدان العالم نستورد كل شيء حتى نتائج الأبحاث لتطور صناعاتنا، ونعجز حتى عن صناعة أمصال بسيطة لأمراض بسيطة، وتفضي روح الإذعان والخضوع الناتجة عن الاستبداد الطويل، والفساد الشامل والاطمئنان البليد إلى أننا سوف نجد كل شيء في الدين يقضى على طموحات أمة طالما كان لها من الزمن القديم شأن وباع وقدرات ومكانة في العالم. تحتاج قضية المعرفة في بلادنا لإعادة نظر شاملة، إن شئنا أن نكون جزءا من عالم جديد يتغير كل يوم، أو أن نهزم إسرائيل في ميدان الحضارة والإنجاز.
لا إذعـان فـي العلم
نشر في: 6 ديسمبر, 2009: 04:43 م