TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > اشخاص في الذاكرة: سامي الشوا.. ببغداد!

اشخاص في الذاكرة: سامي الشوا.. ببغداد!

نشر في: 6 ديسمبر, 2009: 05:11 م

في صيف 1955 كنت وعدد من الاصدقاء بينهم الاديب والشاعر والفنان والتراثي، نزلاء احد فنادق (بحمدون) بلبنان الاشم، وفي امسية من اماسيها الخلابة، وكنا نجلس في الروشن- على رأي المرحوم استاذنا الدكتور مصطفى جواد وهي (الشرفة) المطلة على الوادي الفسيح، نتجاذب اطراف الحديث، في شؤون الادب وشجون الفن، وصراعات الشعر، وفي التراث والتاريخ،
 لامست اسماعنا نغمات شجية من اصداء وتر ناطق وتر العازف الملهم سامي الشوا، فشغلتنا لعذوبتها الاسرة عن احاديثنا ومناقشاتنا الشائعة، ودفعنا حبنا للفنان ان نهرع اليه، وان ندعوه الى مجلسنا ونخرجه من وحدته التي ماكان يشاركه فيها غير كمانهن فرحب وهش وبش، واجاب الدعوة وكانت سويعات ذهبية استعاد كل واحد منا ذكرياته مع هذا الفنان المبدع الذي يعرفه اهل بغداد جيدا كما كان يعرفه العرب في كل ديارهم – فما كان بيتا ولامقهى في بغداد يمتلك (الكرامفون) ولاتوجد بين مجموعة اسطواناته، اسطوانة (رقص الهوانم) للشوا فكنا نسمعها في الافراح وفي الاعياد وفي المناسبات السعيدة لانها كانت تحرك الصغار والكبار، الفتيات والفتيان، فيرقصون على نغماتها الخفيفة اللطيفة ويستعيدونها عدة مرات في اليوم الواحد. والشوا اول فنان شرقي عربي صور (موسيقيا) صوت المؤذن وهو يدعو مكبرا من فوق المأذن بحنان وخشوع الى الصلاة والى الفلاح، كما قلد اصوات البلابل والحمام والطيور المغردة بدقة وبراعة، حاكاه غيره من الموسيقيين فيما بعد!. وهو اول من احيا (السماعي الثقيل البياتي العربي) الذي يعتبر من اقدم المؤلفات الموسيقية التراثية الخالدة، التي لم يعرف مؤلفها الحقيقي بكل اسف حتى الان! فقد سمعه سامي الصغير عن والده الموسيقار انطوان الشوا وهو يعزفه على الة القانون وكان هذا بدوره قد اخذه عن والده يوسف انطوان، وقد سبقنا الاخ الفنان عبدالوهاب بلال التي نشر هذه المعلومة بتفاصيل اوسع في مجلتنا المحبوبة (التراث الشعبي) قبل بضعة اعوام. فكان هذا الفنان يعزف ذلك السماعي وهو من تراثنا الفني النادر على كمانه المنفرد، ثم سجله على اسطوانة خشية ضياعه حيث لم يكن التدوين الموسيقي قد عرف بعد وكتب على وجه الاسطوانة الاول (بشرف سماعي ثقيل بياتي- الكمنجاني الشهير سامي افندي الشوا) وعلى الوجه الثاني (تقاسيم بياتي) له ايضا، ومن حسن الحظ ان ينفرد الاستاذ بلال بالاحتفاظ بنسخة من هذه الاسطوانة النادرة!!. يتذكر اهل بغداد- من بقي منهم على قيد الحياة – سامي الشوا يوم زار مدينتنا العظيمة في بداية الخمسينيات وتذكر هو ايضا في مجلسنا المتواضع ذلك، بغداد. واهل بغداد، وقال: صدقوني اذا قلت لكم انها كانت من اسعد ايام حياتي، فقد زرت بلدانا عديدة في الشرق والغرب، فلم اجد الطف ولا اكرم ولا احب للموسيقى من اهل هذا البلد الشريف المضياف!. كان الشوا الى جانب احيائه حفلات متتابعة في الاندية والجمعيات والمسارح والاذاعة، ويلتقي بالبغاددة وجها لوجه، فانه كان ينتهز الفرص للتجول في اسواق بغداد ومحلاتها وشوارعها وطرقاتها، وكم كان يحلو له ان يجلس في مقاهيها يتحدث الى روادها ويقضي معهم الساعات فينسى نفسه، وكان موضع اريحية الجميع ولطفهم وكرمهم، قال عن اهل بغداد ايضا: -انهم فاقوا اهل بلدنا- حلب- بحسن سماعهم للموسيقى فهم يدركون (الجملة الموسيقية) ويحسون بها حتى لو كانت محشورة بين مجموعة من الالات المختلفة، وعبر عن اعجابه الشديد بالمقامات العراقية وبالاغنيات المحلية الصميمة، فقال: ان المقام العراقي تراث عربي عراقي موسيقي وغنائي لانظير له في الموسيقى العربية والشرقية قاطبة، وهو لادائه الصعب والدقيق والثابت، قل مطربوه ومغنوه، بخلاف الاساليب الغنائية الاخرى التي يغنيها كيفما اتفق كل من هب ودب!. الفنان سامي الشوا من مواليد حلب عام 1880، سافر الى مصر وهو في السابعة من عمره وعاش هناك واثبت مقدرة ونبوغا حتى صار في مصاف كبار ومشاهير الفنانين، وهو وان رحل عنا بعد تجاوزه الثمانين من العمر، ترك للفن شروة موسيقية ليست بالضخمة، الاّ انها عملة نادرة سنبقى نعتز بها ونرجع اليها على الدوام، لقد كان الشوا موضع تقدير الادباء والشعراء ايضا، فذكروه في ادبياتهم واشعارهم، منهم امير الشعراء احمد شوقي، فكان مما قال فيه: ياصاحب الفن هل اوتيته هبة وهل خلقت له طبعا ووجدانا؟. وهل وجدت له في النفس عاطفة وهل حملت له في القلب ايمانا؟ فن تعطل منه الشرق اونة وكان شغل بني العباس ازمانا!. رحم الله سامي الشوا، وكل فنانا واديبا صاغ من مشاعره واحاسيسه فنانا وادبا تتذوقه الاجيال ويخلد على مر الزمان. ناجي جواد الساعاتي / جريدة كل شيء 1967

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram