كاظم موسى يعد الاقتصاد الدعامة الرئيسة والعمود الفقري للكيان السياسي، بازدهاره تنمو مفاصل الحياة وتترسخ أسس الكيان السياسي والعكس صحيح فالاقتصاد العراقي الذي مر ولا يزال بمرحلة الفوضى والانهيار الاقتصادي بحاجة الى أسس سليمة تكون مرتكزات التصحيح والنهوض عبر إجراءات وإصلاحات ذات شقين : تشريعي يتضمن سن عدد من القوانين الحديثة
التي تواكب عملية الانتقال من نظام رأسمالية الدولة الى ما يعرف باقتصاد السوق او الاقتصاد الحر الذي يلعب فيه القطاع الخاص دوراً أساسياً في توجيه مفاصل الاقتصاد الوطني. اما الشق الثاني من الإصلاحات (إجرائي) فيتمثل بجملة إجراءات تسهم في تصحيح مسار الاقتصاد الوطني عبر تخليصه من حالة الفوضى وسوء الأداء ولا بد من نظرة فاحصة الى التجارة التي تمثل دعامة أساسية من دعائم الاقتصاد الوطني اذ نحت صوب الفوضى والهدر ابتداءً من سني الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي صعودا الى أيامنا الراهنة اذ كان لقانون الاستيراد من دون تحويل خارجي اثر بالغ في حالة التراجع والنكوص التي شابت وتشوب عمل قطاع التجارة فبعد ان كانت التجارة محكومة بقواعد وأسس وضوابط وتمارس من قبل تجار مترفين متخصصين تحولت الى مهنة يمارسها من يشاء من دون ضوابط وتخصص، اذ أبيح لمن يمتلك الأموال استيراد السكر والشاي والحديد ومولدات الكهرباء.. بعيداً عن الخبرة والتخصص والتحسب لمضار تجاوز الأسس والضوابط السليمة التي تنعكس سلبا على قطاع الصناعة الوطنية التي تشهد مرحلة الاضمحلال جراء استمرار العمل بقرار الاستيراد من دون تحويل خارجي وسياسة الإغراق السلعي التي تكتنفها فوضى وهدر حد غسيل الأموال، اذ انمحى الوجه الحقيقي للتجارة الوطنية وطفت على السطح طبقة جديدة من التجار الذين لا يفقهون قانوناً تجارياً واحدا ما عدا النهم الشديد في الحصول على اكبر قدر ممكن من الأموال والأرباح في اقصر فترة زمنية ممكنة ضاربين عرض الجدار مصلحة المستهلك ونوعية البضاعة المستوردة والعمر التشغيلي لها الى جانب إيقاع أضرار فادحة بالاقتصاد الوطني المنهك عبر هدر أموال طائلة في استيراد بضائع رديئة النوعية بأثمان بخسة نجم عنها إغلاق آلاف المصانع والورش وتسريح العاملين فيها ما أضاف لظاهرة البطالة المستشرية بعداً آخر تمثل بإضافة أعداد كبيرة من العمالة الماهرة وغير الماهرة الى أعداد العمالة العاطلة التي تجاوزت حاجز الـ 50% من مجمل أعداد القادرين على العمل. كما ان النزعة الاستهلاكية لدى المواطنين التي ظلت مكبوتة لسنين طوال تسهم في تفاقم ظاهرة الفوضى التي تعم التجارة جراء تركيز التجار على استيراد سلع واطئة الكلفة مستغلين انخفاض المستوى المعيشي لأغلب العراقيين ما ينعكس سلبا على جودة تلك السلع، اذ ان تلاشي حلقات الرقابة المتمثلة بالرقابة التجارية والصحية وأجهزة التقييس والسيطرة النوعية ساهم هو الآخر بقسط كبير في حالة الفوضى والهدر التي تعم التجارة.. فالمعروف عن أجهزة الرقابة بأنواعها على المستوردات من السلع وهذا ما معمول به في دول الإقليم ودول العالم الأخرى اما منافذنا الحدودية فالى جانب افتقارها الى عناصر الرقابة فهي تمثل بؤراً للفساد المالي والإداري بأوضع صورة وتتعامل مع التجار بمختلف أنواع الطرق الملتوية كالرشا والإتاوات والابتزاز ما دفع كماً كبيراً من التجار الى استيراد سلع تالفة وغير صالحة للاستهلاك البشري خصوصا اللحوم والمعلبات والمواد الغذائية الأخرى، وقد تحتوي تلك المواد المستوردة على تراكيب سمية عالية ومواد مسرطنة تشكل خطورة عالية على الصحة العامة جراء إلحاقها أفدح الأضرار بصحة المواطنين حد الوفاة هذا الى جانب غياب الرادع القانوني المتمثل بمقاضاة التجار الذين يوقعون أضراراً بالاقتصاد الوطني والصحة العامة يضاف الى ذلك تأثير الإعلان التجاري على المستهلك في توجيه سلوكه صوب المزيد من الاستهلاك، كل تلك العوامل جعلت من الصناعة الوطنية تدخل طور التلاشي والاضمحلال برغم المكانة الرفيعة التي حازتها بين قطاعات الصناعة في دول الإقليم وفي ذلك خسائر مركبة تطال الاقتصاد الوطني والأفراد والمجتمع وان تلاشي قطاع الصناعة الوطنية يضيف أعباءً أخرى الى الأعباء التي يعاني منها الاقتصاد الوطني المتمثلة بالمديونية الخارجية وتراجع الأداء وحالات الفساد المالي والإداري وتصاعد وثائر الاعتماد على الموارد النفطية بنسبة وصلت الى 94% من مجمل الدخل القومي ما يعد خطرا شاخصا يهدد الدخل الوطني في حال تراجع الإنتاج النفطي او توقف الصادرات النفطية. وإزاء ما تقدم لا بد من إعادة النظر بقرار الاستيراد من دون تحويل خارجي والعودة بالتجارة الى أنصبتها الطبيعية المتمثلة بقواعد الاستيراد بتحويل خارجي وتصنيف المستوردين من التجار وفق تخصصاتهم ما يسهم في جعل التجارة في خدمة الاقتصاد بدلا من كونها معول هدم عبر عمليات الهدر وتهريب العملة وغسيل الأموال اذ من المفترض توظيف الأموال التي تتعرض للهدر في عمليات تحسين الأداء الاقتصادي الوطني والتي تمثل إعادة الحياة الى القطاع الصناعي الوطني احد مرتكزاتها بعيداً عن سياسات الإغراق السلعي وتدوير أنظمة الحماية الكمركية التي تسهم في لعب دور فاعل في حماية الاقتصاد الوطني الذي تزدهر مفاصل الحياة الأخرى بازدهاره.
وسائل تحسين الأداء الاقتصادي
نشر في: 7 ديسمبر, 2009: 04:45 م