الكتاب: التجربة العامة تأليف: مارتين بروغ ترجمة: إيمان قاسم ذيبان كيف يخلق التمرد أجواءً مناسبة للديمقراطية؟ عبر هذا السؤال المباشر حلل المؤلف مارتين بروغ سلسلة من التمردات الشعبية الممتدة من الحقبة القديمة حتى عصرنا هذا.
لا يخفى على احدنا إن شعوب العالم تمتلك أسبابها الخاصة في التصدي لسياسية معينة أو معارضة نظام معين إلا أن هذه المعارضة لا تأخذ شكل تمرد ملحوظ ولا ثورة منظمة قائمة بحد ذاتها بل تتخذ منحنى آخر متمثلاً بتيار جديد للمقاومة وتتجاوز ماهيته الحدث السياسي. وللمعارضة أهمية بالغة في الكشف عن الأسس التي قامت عليها شعوب العالم أو بمعنى الكشف عن علاقة أحد هذه الشعوب بالعالم أو بالآخرين أو مع بعضها البعض. وتسمى هذه التجربة بتجربة (الدهماء) أي عامة الشعب حسب رؤية المؤلف مارتين بروغ وهو أستاذ متخصص في دراسة النظرية السياسية في جامعة بورك في مدينة تورنتو في كندا. وتعرف تجربة عامة الناس على أنها حدث مميز ومشهد تمهيدي لمدخل تاريخي يعرف بمبدأ (عامة الناس)، الذي يتطرق إلى التكوينات الأولى لهذه الطبقة. ومعارضتها الدائمة طبقة النبلاء. ومثل هذه المعارضة ظهرت جليا في عام 494 قبل الميلاد عندئذ استقر عامة الشعب الروماني (وهم الفئة الخاضعة لحكم النبلاء و المتحملة لسنوات قساوة حكمهم ووطأة قوانينهم والمسؤولة بالدرجة الأساس عن الدفاع عن حرية رومانيا إذا ما تعرضت لاعتداءات خارجية) في تل افونيت حيث أعلنت انفصالها عن النبلاء وتمردها عليهم. في المقابل بعث هؤلاء النبلاء، بعدما أدركوا حاجتهم للعامة وتصوروا خطورة حرمانهم من قوة عتيدة اعتمدوا عليها منذ زمن طويل، برسول منهم إلى التل وحاول الرسول عبثا إقناعهم بالعودة إلى المدينة إلا أنهم رفضوا ذلك وطالبوا باعتراف النبلاء بوجودهم السياسي،الاعتراف الذي سيتحقق لدى بناء مقرات للمحامين عن حقوق الشعب الروماني بنسائه المستخدمات وأطفاله والمحرومين. عندئذ توقفت هذه الطبقة عن كونها كتلة خارجية غير مرحب بها وسط النظام الجمهوري طالما داعت بنفسها بمسألتي اتخاذ القرار والدفاع عن حريتها. وفي إحدى التظاهرات رفض مواطن من العامة فكرة التصغير من شأنه بوصفه (حيوان مختبر) لا أكثر لأنه يخضع بصورة رئيسية للمتطلبات الجانبية المهمة في العمل وضرورة المحافظة على جسده سليما ومعافى فضلا على إبعاده (مرغما) وعلى غير إرادته عن خيرة النبلاء وصفوة المجتمع المهيمنة على الاعتراف بمشاركته في العملية السياسية. في نظر المؤلف ثمة تطور كبير حصل بسبب زيادة الوعي في صفوف العامة الذي نشط كثيرا في هذه الأوقات المؤسسة لتجربتهم الخاصة. وبالتأكيد، لم يكن انتصار الأغلبية الصامتة أمرا مقرا به من قبل الجميع ودفعة واحدة، بل كشف هذا الانتصار عن تاريخ يحمل صفات ثلاث:فهو تاريخ منفصل و لا متناه وسري. فهو منفصل لان تجربة العامة لم تنبثق دون حركات العصيان التي سبقت ظهورها وفي داخل هذه الحركات استحوذ الأشخاص، المهمشون اجتماعيا واقتصاديا،على مجريات القرارات والقوانين وتصرفوا وفق أسلوب متفق عليه في المشهد الحكومي. وهنا لابد من القول إن المؤلف مارتين بروغ قد حلل هذه الحركات بدءا من تمرد الشعب الروماني و انتهاء بكومونة باريس(1) مرورا بتمرد الكومبيين في فلورنسا في مطلع القرن الرابع عشر. وهو تاريخ سري لأنه كان مخفيا من قبل السلطات المسؤولة عن حفظ الوثائق التاريخية مثلما كان مخفيا في (التقسيم الاجتماعي الأولي) وهو مفهوم أعده كلود ليفورت ويراد به التقسيم بين طبقة النبلاء وحاشيتهم والعامة وأسرهم أو بالأحرى بين الطبقة المهيمنة والطبقة الخاضعة. وكان هذا التقسيم دافعا داخليا لنشوب العصيان. في حين أطلقت صفة اللامتناهي على هذا التاريخ لأنه الفاصل، الذي يجتاز المجتمعات ويسمح دائما بإغلاق اكبر عدد ممكن من منافذ الدخول إلى السياسة، لا يكون ملغيا تماما بل هو موجود في ثنايا هذا المجتمع أو ذاك. ولا ننسى أيضا إن تاريخ أي طبقة من عامة الشعوب يتمحور حول نقطتين جوهريتين أولهما مبدأ هذه الشريحة الاجتماعية. إذ كون الظهور الواضح لمساعي التحرير التي قادها هؤلاء العاميون محاولين إحباط الهيمنة الاجتماعية لصالح مبدأ العدالة والمساواة، قوة حاسمة أكدت إن الوثاق الإنساني يصلح لأن يكون بديلا عن الوثاق السياسي. أما النقطة الثانية فهي فكر هذه الشريحة ونعني به التغيرات التي طرأت على مدلول هذه الطبقة في الفكر الفلسفي والاجتماعي وهو الفكر الذي تتبعه المؤلف لدى أعمال ثلة من المؤلفين أمثال: (مونتسيكيو وبييرسيمون وبالانش وفوغو). ويتمخض عن هذه النقطة درس مهم في كون هذه الشريحة قد أشارت إلى المطلب المطلق للحرية ومنحتها صفة خاصة لتأخذ شكل صراع طويل مهد الطريق نحو التقدم. والجدير بالذكر إن دراسة تاريخ هذه الشريحة يقدم لنا شخصية مختلفة قليلا ومخالفة للرأي العام أحيانا لان حركات التمرد التي ذكرناها مسبقا لن تتمكن من الانضواء تحت حزب واحد أو الاستقلال لفترة قصيرة وان كانت محدودة وبدا الأمر وكأن هذه التمردات لا تتوافق فيما بينها إلا في حالة الوقوف على المعاناة التي مضت وتلك التي ستأتي. وعلى الرغم من انتصار هذه التمردات إلا أن
عندما يكون عامة الشعب صنّاع القرار
نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 03:56 م