الكتاب: الحرب الأهلية الأميركية تأليف: جون كيغن ترجمة: عبد الخالق علي يبدأ التاريخ الموجز لثاني اكبر الحروب التي جرت في القرن التاسع عشر، و الذي كتبه السير جون كيغن، بجملة " ان اميركا مختلفة ". هذا الاختلاف هو المفتاح لفهم الجوانب الاجتماعية و السياسية و – فوق كل شيء – العسكرية،
و لفهم نتائج الحرب التي مازالت تلقي بظلالها على الضواحي الأميركية. بعض الاختلافات تبدو تافهة لأول وهلة: يقول كيغن، ان الحرب الاهلية كانت أسوأ حرب من بين كل الصراعات الكبرى. هذا يكشف مشكلة التوسع السريع في الجيوش و في الفكر العسكري غير النظامي الذي تحمله القطعات التي لم تكن تنقاد لأي مبدأ عسكري من المبادىء التي ابتلي بها المجندون و المتطوعون عبر الأطلسي الا ان هذه القطعات (الميليشيا) كانت تتميز عن غيرها بجودة التغذية نتيجة الزراعة الوفيرة و عمليات التصنيع و التوزيع الكافي. كانت ملاحظات كيغن عن العوامل البشرية و اللوجستية رائعة و تتضمن جوهر اختلاف هذه الحرب عن غيرها. ان دراسة الحرب التي كرّس كيغن حياته لها و انخراطه في التاريخ الاميركي منذ سنواته المبكرة، تضفي على كتابته صواب الحكم. بدأت الحرب الأهلية بالاطلاقات الشهيرة على قلعة (سمتر) عام 1861، و استمرت حتى بعد اغتيال الرئيس لنكولن عام 1865. هذه الحرب جرت لتقرر ما اذا كان بإمكان الولايات المتحدة ان تبقى متحدة. هذا التقرير كلف اكثر من ستمائة الف حالة وفاة عسكرية، أي اكثر من اية حرب شارك بها الاميركان. يزعم كيغن ان السبب الرئيسي كان ستراتيجيا: ان طبيعة الكونفدرالية و حجم و جغرافية البلاد جعلت واشنطن يواجه " واحدة من أكثر المشاكل العسكرية تعقيدا، لم تواجه مثلها الحكومات التي تصنع الحروب ". لم يكتف الرئيس لنكولن (و جيفرسون ديفز في الجنوب) و مستشاروه بتحشيد جيش كبير، بل كان عليهم ان يقرروا كيفية استخدامه لكسب النصر. ربما كان الأمر اكثر سهولة بالنسبة للجنوب: اذ كان عليه " فقط " ان يتجنب الاندحار، بينما كان على الشمال ان يقهر الكونفدرالية و هذا يعني دحر قواتها و مسك زمام البلاد. مع هذا فان افتقار الجنوب الى توحيد الجهود لم يسعف قضيته ; كما ان تخلفه في القوة القتالية و المخازن و القوة البحرية لم يمنحه الفرصة في النجاح. لم يكن من المفاجىء حينها ان الكونفدرالية قد وضعت ثقتها الكبيرة في " القطن " لغرض تحريك دعم الدول الأوروبية – خاصة بريطانيا – التي كانت صناعة القطن فيها تعتمد على صادرات الجنوب. لذا فقد صارت الحرب واحدة من اكبر الحروب ضراوةً، اذ بدون اهداف ستراتيجية حقيقية للجيوش للمناورة فيها ماذا يمكنها ان تفعل غير مقاتلة بعضها في معركة تلو الأخرى. لم يول الجيش البريطاني اهتماما كبيرا للحرب. كانت العين العسكرية للامة على احتياجاتها الامبراطورية، فكان من الواجب اجتناب الاعمال الحربية العالمية التي تتطلب جيشا اكبر مما تمتلكه البلاد او ترغب في تسديد متطلباته. ثم ماذا كان بإمكان هذا الجهد العسكري غير النظامي ان يضيف الى فهم الحرب العالمية مع وجود جيوش كبيرة مثل جيش فرنسا و بروسيا؟ و ما هي الدروس في القيادة التي تؤخذ من ضباط متدربين لا يتجاوز عددهم الثلاثة آلاف! مع ذلك – يقول كيغن – فمن الواضح ان اميركا قد انجبت من هذا العدد الصغير اثنين من الجنود العظام، غرانت و شيرمان، وكان الاخير ذا رؤية خيالية أيضا. بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الضباط البريطانيون بدراسة الحرب الأهلية: في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، كانت هذه الحرب جزءا من المنهاج الدراسي المقرر لامتحان القبول في كلية الأركان، وقام كيغن في شبابه بتدريسها لطلبة كلية ساند هيرست العسكرية، بعد ذلك صارت قديمة الطراز و هذا مما يؤسف له اذ ان دراسة مثل هذه المشاكل العسكرية – السياسية الصعبة تعتبر ذات فائدة كبيرة جدا. ولأجل البدء بمثل هذه الدراسة، لا بد من أن نعرف انه من الصعب دحر كتاب كيغن الرائع و المثير للأفكار. عن التايمز
أســــــــــــــوأ حــــــــــرب
نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 03:58 م