عبد الله المدني ما بين الثامن والتاسع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية انعقاد المؤتمر الوزاري الرابع للمنتدى الصيني – الأفريقي، الذي ينعقد كل ثلاث سنوات. وقريبا جدا ستستضيف بكين منتدى الصين – أفريقيا للتنمية والتعاون الصناعي 2009 برعاية جمعية التعاون الصيني وبمشاركة وزراء صناعة ورجال أعمال من أكثـر من 40 قطرا أفريقيا.
في المؤتمر المذكور، كان أكثر ما لفت الأنظار هو إعلان الصين على لسان رئيس حكومتها "وين جياباو" أن بلاده قد خصصت نحو عشرة مليارات من الدولارات لتقديمها قروضاً ميسرة الى الدول الأفريقية في السنوات الثلاث القادمة، ثم تأكيدها نيتها لعب دور أكبر على الساحة الأفريقية " من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة في هذا الصدد إلى عزمها على إعفاء منتجات الدول الأفريقية الأقل نموا من تلك التي تقيم معها (وليس مع تايوان) علاقات دبلوماسية من الرسوم الجمركية بنسبة 95 بالمئة، وعزمها أيضا على دعم المؤسسات الصينية المالية المنخرطة في تقديم القروض إلى الشركات الأفريقية الصغيرة والمتوسطة، علاوة على استمرارها في تخفيض أو إلغاء الديون المستحقة لها على بعض الأقطار الأفريقية (عقدت الصين منذ عام 2006 اتفاقيات بهذا الشأن مع 31 دولة في أفريقيا، وبلغ إجمالي ما أسقطته عنها من ديون نحو عشرة مليارات من الدولارات). ردود الفعل على الخطوة الصينية كانت متباينة أفريقيا. فعلى حين صفق لها البعض معتبرا إياها ضربة معلم سددها التنين الصيني بإتقان الى "الوحش الإمبريالي الغربي"، خصوصا وأن المساعدات والتعهدات الصينية غالبا ما لا ترتبط بشروط سياسية أو بمسائل تتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير، فإن البعض الآخر رأى فيها شكلا من أشكال الاستعمار والهيمنة، على افتراض أن ما تسعى إليه بكين لا يختلف عما سعت إليه القوى الاستعمارية الغربية في الأمس لجهة الاستحواذ على خيرات القارة وإغراق أسواقها بالمنتجات الصينية الرخيصة على حساب المنتج الأفريقي غير القادر على المنافسة، مقابل إنفاق بعض الأموال هنا وهناك على تحديث البنية التحتية وإقامة المشاريع الصحية والزراعية والتربوية. على أن الرأي الأصوب هو النظرالى خطوة بكين هذه في سياق سياستها الخارجية الراهنة المتوازية مع ما بلغته من قوة اقتصادية وعلمية وعسكرية هائلة، والرامية إلى ضرورة التمدد في كل الاتجاهات، ومنافسة القوى العالمية الأخرى على جميع الصعد، ولا سيما على صعيد الاستحواذ على مكامن الطاقة والموارد الطبيعية. لقد وجدت بكين في القارة السمراء أرضا جاهزة للتمدد في ظل إهمال الآخرين لها أو انشغالهم بأماكن وقضايا أخرى، وأرضا بكرا غنية بموارد الطاقة والمواد الأولية التي هي في حاجة ماسة إليها (نفط، حديد، نيكل، نحاس، زنك، ألومنيوم، أخشاب). علاوة على ذلك وجدت بكين في هذه القارة الشاسعة الفقر والمرض والجهل والبطالة المستفحلة والبنية التحتية المهترئة، وغير ذلك من الأمور التي يمكن علاجها بالمشروعات والقروض والاستثمارات من أجل كسب ود وثقة الأفارقة وحكوماتهم. ومن هنا لم يكن غريبا أن يصل حجم التبادل التجاري ما بين الطرفين في عام 2008 إلى رقم غير مسبوق هو 107 مليارات دولار، بعدما كانت قيمته في عامي 2000 و 2006 هي 15 و 55 مليار دولار على التوالي. وفي السياق نفسه لم يكن غريبا أن تستحوذ الصين بمفردها على 13 بالمئة من إجمالي ناتج القارة من النفط، وأن تنفذ الصين في افريقيا حتى الآن نحو 1600 مشروع يتراوح ما بين بناء السدود ومحطات الطاقة المائية وإنشاء المصارف و المستشفيات والمدارس ومراكز مكافحة الملاريا ومحو الأمية و معامل الغزل والنسيج وتطوير المناجم والبنية التحتية مثل الطرق وشبكة الاتصالات والمياه. ومن هنا أيضا لم يكن غريبا أن تثير الخطوة الصينية المذكورة وما سبقها وما قد يتلوها جملة من ذكريات الماضي، يوم أن كانت الصين تتطلع فقط الى إيجاد موطئ قدم لها في القارة من خلال استغلال الأخيرة كساحة حرب إيديولوجية لمنافسة الغرب والاتحاد السوفيتي، وتحريض شعوبها على حمل السلاح و القيام بحرب عصابات تحت شعار "الحرب من أجل الاستقلال والحرية والكرامة". ومن الذكريات التي لا تزال عالقة بأذهان الجيل السابق من الأفارقة أيضا، الجولة النادرة التي قام بها رئيس الوزراء الصيني الأسبق "شو إن لأي" في عام 1963 والتي شملت عددا من الأقطار الأفريقية المهمة وقتذاك مثل مصر والجزائر والسودان والمغرب وغينيا، لكن دون أن تحقق أهدافها المتمثلة في إقناع تلك الدول بالاصطفاف خلف بكين وفض شراكتها مع موسكو أو الغرب، وذلك لأن الصين لم تكن وقتذاك في حالة تتيح لها منافسة الغربيين والروس، بسبب وضعها كدولة زراعية من ضمن دول العالم الثالث، وهو الأمر الذي أدى الى حدوث صدمة لدى النظام الماوي وبالتالي قراره بالانكماش على نفسه والاعتماد على ذاته وتركيز سياساته على الداخل. هذا المنحى لئن ظل سائدا حتى قيام الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في عام 1971 برحلته التاريخية الى بكين، والتي تلاه قرار القيادة الصينية بضرورة الانفتاح التدريجي على الخارج عبر البوابتين الدبلوماسية والتجارية، فإنه تغير تغيرا دراماتيكا بعد وفا
التنين الأصفــر إذ يتمــدد فـي القـــارة الســـمــراء
نشر في: 8 ديسمبر, 2009: 04:46 م