ما ذكر المسرح أو السينما.. أو أي فن من الفنون الجميلة الأخرى في العراق إلا واقترن به اسم عميد المسرح العراقي الأستاذ حقي الشبلي.. وذكر فضله والجهود القيمة التي بذلها ويبذلها في سبيل إنعاش وتنمية هذه الفنون ورفعها الى مكانة سامية تتفق وما لهذه الفنون من أثر عظيم في توجيه الأمة وإرشادها الى ما فيه الرقي والحضارة الحقة.
واليوم، وقد برز اسم الأستاذ الشبلي كواحد من رواد المسرح في العراق.. يحق لنا أن نوجه لعميد المسرح العراقي أسئلة تختلف اختلافاً كبيراً عما سئل الفنان الكبير من قبل بعض محرري الصحف العراقية ومراسلي صحف البلاد العربية الشقيقة.. لأنه قد مل أسئلتهم التي لم تف بالغرض المرجو... منها (ما هو الاسم الحقيقي) و (كم تبلغ من العمر) و (أين تسكن) وما شابه ذلك... وكما ترى – قارئي الكريم وقارئتي العزيزة – إنها أسئلة تافهة. اتصلت به تلفونياً، وأبلغته رغبة (الدنيا) .. فضحك وقال (ما دامت الدنيا لا الآخرة فأنا مستعد).. ودعاني الى الحضور في موعد اتفقنا عليه، في معهد الفنون الجميلة حيث يشغل الأستاذ الشبلي وظيفة معاون عميد المعهد. وهناك حيث الازدحام الشديد على باب مكتبه.. وحيث بداية السنة الدراسية في هذا المعهد.. وعملية التسجيل للطلاب والطالبات الجدد.. رحب بي عميد المسرح العراقي رغم عمله المتعب.. وبعد استراحة قصيرة تخللتها بعض النكات الطريفة من الأستاذ الشبلي.... كان سؤالي الأول: ما سبب انعدام المسرح العراقي في يومنا هذا وهل هناك أمل في عودة الحركة المسرحية؟ -للإجابة على هذا السؤال لا بد لي من أن أعود بذاكرتي القهقرى قبل سفري الى باريس للدراسة حيث كان المسرح العراقي ينبض بنشاطه وإنتاجه رغم النقص المادي الذي كان يعانيه في ذلك الوقت، فقد كنا نصرف على المسرح من جيوبنا دون معونة أحد، لا نبالي بربح أو خسارة.. وإنما هدفنا خدمة الفن في العراق والبلاد العربية.. كما أن نشاط المسرح قد ظهر جلياً في ذلك الوقت ليس بالنسبة للفرق الوطنية فحسب وإنما زيارة الفرق الأجنبية والفرق المصرية للعراق قد زادت من النشاط والوعي الفني عند الجمهور، ويعود انصراف الجمهور والمسؤولين عن المسرح العراقي لأسباب لا لسبب واحد، ويأتي في المقدمة عدم تفهم الروح الفنية الأصيلة التي ترتكز قبل كل شيء على التضحية والإيثار ونكران الذات وعلى الأخص في العمل المجرد عن كل غرض آخر مهما كانت الظروف وتقلباتها، والوعي الفني إن عد سبباً مهماً لنهضة المسرح... إلا أن ذلك لا تأتي ثماره ما لم يتوجه فهم عميق للروح الفنية، ويجب بعد هذا أن نسرد الأسباب التقليدية الأخرى، كافتقار المسرح العراقي في الحال الحاضرة الى التشجيع المادي والمعنوي والى عدم اكتمال العناصر الفنية وخاصة منها العناصر النسائية المثقفة، الى جانب عدم وجود مسرح دائم مجهز بالوسائل الفنية والأجهزة الكاملة لكي يمكن العمل عليه بصورة دائمية، وإني رغم كل ذلك متفائل بالنجاح.. متفائل بعودة المسرح العراقي الى مكانته السابقة بدليل استمراري على الكفاح في سبيل إعداد فنانين مثقفين يقدسون رسالتهم السامية، وإعداد هذا النوع من الجيل قد لا نلمس نتائجه في الحال، إذ لا بد لهؤلاء من أن يتبلوروا ويمارسوا ويصطدموا بصخور التجارب القاسية حتى تحدث هنالك ثورة فنية تهدم لتبني ..وتبني لترتفع من جديد ليظهر على الملأ ما في هذا البناء من فوائد كبيرة على المجتمع، والله خير عون للجميع. الكل يعرف إن دراستكم في باريس قد اقتصرت على الفن المسرحي فلماذا لم تظهروا على المسرح ولو مرة واحدة حتى الآن بعد عودتكم من باريس؟ -لقد ظهرت على المسرح كثيراً في روايات متنوعة قبل سفري الى باريس كما هو معلوم أما الآن فاني أعتقد أن مكاني الصحيح هو الوقوف وراء الكواليس، وهو الموقف الذي يتحمل صاحبه أكبر قدر من المسؤوللية، وإليه يناط أمر التوجيه والإرشاد والإدارة والإخراج الفني ومع ذلك فاني لا أتردد في الوقوف على المسرح ثانية إذا اقتضت الظروف في المستقبل إن شاء الله، فعمر الفنان وسعادته في حياته أن يبدأ وينتهي على المسرح وإن يواجه الجمهور الذي أحبه وأخلص من أجله. ما سبب ابتعادكم عن الحركة السينمائية التي ظهرت أخيراً في بغداد وهل في نيتكم الاشتراك في الأفلام العراقية القادمة؟ -إن الحركة السينمائية في العراق والتي بدت في فترات متقطعة أخيراً هي في الواقع محاولات لم تحدد غاياتها ولم تهيأ لها العناصر التي تكفل لها النجاح من ناحية الفكرة واللغة والتنظيم والقابلية الفنية والأدبية مع الإمكانيات اللازمة لذلك. والقائمون فيها لا شك يحملون إيماناً عميقاً في عملهم وحبذا لو تضافرت العوامل المذكورة آنفاً لتدعيم الهدف الذي يسعون إليه. وإني شخصياً رغم إنني من جنود المسرح ورغم مشاغلي الكثيرة في المعهد والمدارس التي تفسح لي مجالاً واسعاً لأعمال متعددة أخرى إلا أني باذل قصارى جهودي للعمل في كل ما يمت للفن بصلة سواء كان هذا العمل الفني مسرحياً أو سينمائياً أو إذاعياً، ولا يهم إذا كان اشتراكي في مثل هذه المشاريع الفنية بصورة مباشرة في الحال الحاضرة، إلا أنني سأساهم فيها في المستقبل القريب ما دام الغرض منها خدمة البلاد والشعب والفن. ما الدافع الذي حداكم الى إبداء رأيكم حول الفن والفنانين العراقيين ب
حقي الشبلي: ارحموا الجمهور.. إن الفن العراقي مات منذ زمن طويل!!
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:10 م