يأتي في مقدمة المؤرخين العراقيين الذين ساهموا في اغناء الجانب التاريخي والفكري والسياسي العراقي الاستاذ الدكتور فيصل السامر (1925- 1982). كان أ. د. فيصل السامر رحمه الله مؤرخا مربيا واستاذا جامعيا وسياسيا وباحثا متميزا. بدأ عمل السامر في مجال الدرس والبحث التاريخي منذ خمسينيات القرن الماضي،
صاحب منهج واضح في الكتابة التاريخية وقد تتلمذ على معرفته وتربيته الكثير من الاجيال والذي ساعده في تحقيق هذه المهمة دماثة خلقه وتسامحه وتواضعه وبساطته وحبه فعل الخير. ولد أ. د فيصل جريء السامر في البصرة واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها وبعد ان حصل على مرتبة متفوقة في الامتحان الوزاري قبل في كلية الملك فيصل (وكانت مدرسة ثانوية تقبل الطلبة المتفوقين) وبعد اجتياز الدراسة فيها بتفوق حصل على بعثة للدراسة في بريطانيا الا ان البعثة تحولت ليوفد الى مصر بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية لذا اوفد الى مصر ليدرس في كلية الاداب/ جامعة القاهرة وحصل منها على شهادتي الليسانس والماجستير وكانت رسالته للماجستير (حركة الزنج واثرها في تاريخ الدولة العباسية) والتي طبعت اكثر من مرة تحت عنوان (ثورة الزنج) والتي كانت طبعتها الاولى عام 1954 ببغداد. واخرها في بيروت عام 1971. اكمل دراسة الدكتوراه في الجامعة ذاتها عام 1953 وكانت اطروحته للدكتوراه (الدولة الحمدانية في الموصل وحلب) وقد طبعت مرتين الاولى في بغداد عام 1953 والثانية في القاهرة عام 1970. عيّن السامر مدرسا في دار المعلمين الابتدائية عام 1947 بعد حصوله على الماجستير انتقل بعدها الى دار المعلمين العالية (كلية التربية حاليا) مدرسا للتاريخ عام 1951. منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين اسهم أ.د فيصل السامر في حركة المعلمين والدعوة الى تأسيس نقابة لهم قبل ان يترأس اول نقابة شكلت بعد ثورة 14 تموز 1958. اتجه الى العمل السياسي وكان يساريا وتقدميا في تفكيره وتوجهه الاّ انه لم ينتمِ يوما الى اي من الاحزاب السياسية وبقي مستقلا سياسيا طوال حياته على الرغم من ميله الى فكر الحزب الوطني الديمقراطي. ادت مواقفه المناوئة للنظام الملكي ولمشاريعه الغربية ومنها حلف بغداد الى فصله من الخدمة الحكومية واحيل الى الخدمة العسكرية ليدخل دورة الضباط الاحتياط العاشرة سنة 1955 التي خصصت للمفصولين السياسيين. وبعد تسريحه اضطر الى السفر الى الكويت للتدريس في بعض معاهدها التعليمية وعاد الى العراق في بداية عام 1958 وبعد تفجر ثورة 14 تموز 1958 اسهم بشكل فعال في الحياة الثقافية والسياسية وتعاون بشكل فعال مع الحزب الوطني الديمقراطي الاّ انه بقي مستقلا سياسيا من رجالات العهد الجمهوري فتسلم مناصب عديدة منها مدير التعليم العام في وزارة المعارف وفي عام 1958 عينه الزعيم عبدالكريم قاسم وزيرا للارشاد (الاعلام) عام 1959 قام خلالها بانشاء وكالة الانباء العراقية وقيامه بتأسيس نقابة المعلمين وتأسيس الفرقة السمفونية العراقية. استقال من الوزارة عام 1961 وعين وزيرا مفوضا في وزارة الخارجية ثم سفيرا للعراق في اندونيسيا وماليزيا عام 1961 واستاذا في جامعة براغ وفي جامعة 17 نوفمبر حيث اختار اللجوء السياسي في جمهورية تشيكوسلوفاكيا، وخلال اللجوء السياسي اسقط عنه النظام الحاكم في العراق انذاك وعن عائلته الجنسية العراقية والتي اعيدت لهم عام 1968. وعاد الى العراق للتدريس في كلية التربية ثم انتقل الى قسم التاريخ جامعة بغداد في عام 1970 وقد انتخبه زملاؤه رئيسا للقسم وبعد سنوات تفرغ للبحث العلمي والتدريس والاشراف على طلبة الدراسات العليا.. توفي عام 1982في لندن تاركا تراثا من الكتابات التي ارخت لمراحل مهمة من تاريخ العرب والعراق ملحق عراقيون يخصص هذا العدد تحية للذكرى السابعة والعشرين لرحيل فيصل السامر الشخصية الثقافية والوطنية التي ساهمت في ارسال قيم ثقافية رصينة.