بشرى الهلالي (كريما، متسامحا، محبا للعلم، إنسانا بكل معنى الكلمة وعراقيا حتى الصميم).. بهذه الكلمات بدأت الدكتورة (سوسن السامر) حديثها عن والدها الباحث والمؤرخ الدكتور فيصل السامر، وبحزن شفاف وعتب مر أضافت د. سوسن: لم ينصف العراق الدكتور السامر، وقابل حبه بالنسيان،
فتحول ألم الصد الى آفة تغلغت في أحشاء السامر، فرحل وهو في قمة عطائه وتوهجه، ولم يتجاوز وفاء العراقيين له أكثر من حفل تأبين أقامه إتحاد المؤرخين فقط، وصار مع كل ماأبدعه نسيا منسيا. . عرف عن ا.د السامر إنه علم من أعلام المدرسة التاريخية المعاصرة وصاحب منهج واضح في كتابة التأريخ، تتلمذت على يديه أجيال عديدة وأسهم بشكل فعال في الحركة الثقافية والسياسية وفي كتابة التاريخ العربي والأسلامي. وكان حريصا وصادقا في كتابة تاريخ وطنه وفي رأيه (إن المؤرخ لايكون مجرد راوية أمين لأحداث الماضي فقط. اتهمه البعثيون بالشعوبية فنفي وأسقطت عنه الجنسية العراقية فهذا واجب من واجباته فحسب، إن الواجب الأكثر أهمية وأصالة في أن يكون المؤرخ طرفا نشيطا في تفسير أحداث عصره تفسيرا واعيا.. واذا كان واجب المؤرخ أن يكون بين القوى المنظمة للحياة الحاضرة والمساعدة على دفعها للأمام فان مؤرخينا مدعوون الى ان يسلطوا الضوء على الحلقات المضيئة والعلامات الدالة على حيوية الحضارة العربية كي نجعل التاريخ حافزا من حوافز نضالنا ونهوضنا الحديث). من هو فيصل السامر؟ والده الشيخ (جرئ مرئ السامر) شيخ عشيرة الصيامرة من قبيلة بني تميم، ولد الدكتور فيصل السامرفي البصرة في 12-1- 1924 وتوفي في لندن في 14-12-1982. اكمل دراسته الأبتدائية والمتوسطة في البصرة وكان الأول على المحافظة فقبل في كلية الملك فيصل في بغداد التي كانت مدرسة ثانوية للموهوبين والمتفوقين و من زملائه في كلية بغداد الدكتور (عصام العمري) أكبر جراح تجميل في العراق. وبرغم تفوقه في الأختصاصات العلمية ، الا انه كان مصرا على دراسة التاريخ. بعد تخرجه في كلية بغداد حصل على بعثة في بريطانيا لدراسة التاريخ، وبسبب الحرب العالمية الثانية الغيت البعثة وتحولت الى جامعة الملك فؤاد الأول في القاهرة في مصر، فاكمل البكالوريوس ثم الماجستير في العام 1950عن رسالته الموسومة "حركة الزنج وأثرها في تاريخ الدولة العباسية" حين كان طه حسين الرئيس الأعلى لجامعة القاهرة آنذاك، ثم الدكتوراه في التاريخ الأسلامي عن رسالته الموسومة "الدولة الحمدانية في الموصل وحلب" والتي طبعت مرتين الأولى في بغداد 1953 والثانية في القاهرة في 1970. عمل مدرسا في البصرة ثم انتقل الى بغداد لتدريس التاريخ الأسلامي في دارالمعلمين العالية (كلية التربية حاليا) في العام 1951واسهم في حركة المعلمين والدعوة لتأسيس نقابة لهم، فكان ان ترأس أول نقابة شكلت بعد ثورة 14 تموز وعين مديرا عاما للتعليم في وزارة التربية في العام 1958. بعد نيله الدكتوراه، عمل مدرسا للتاريخ في كلية التربية في جامعة بغداد في العام 1969ثم بقسم التاريخ في كلية الآداب وانتخب رئيسا للقسم و أصبح عضو اتحاد المؤرخين العرب وإتحاد المؤرخين العراقيين في العام 1970. حصل على لقب مابعد الأستاذية- استاذ كرسي وعمل في جامعة براغ فعرضت عليه العديد من الاعارات في جامعات عالمية عريقة الا إنه اعتذر واكتفى بالمشاركة في البحوث في تلك الجامعات. ومن المناصب الحكومية التي شغلها السامر هي وزير الأرشاد (الاعلام حاليا) في العام 1959 وبقي فيه حتى العام 1961 ويشهد له خلاله بتطوير تلفزيون جمهورية العراق، تأسيس وكالة الأنباء العراقية، تأسيس الفرقة السمفونية العراقية، تأسيس دار الأوبرا. استقال من الوزارة في العام 1961. وأيضا عين وزيراً مفوضاً في وزارة الخارجية في العام 1961 ووزيرا مفوضا وسفيرا للعراق في جاكارتا (اندونيسيا) وفي كوالا لامبور (ماليزيا) في العام 1961. هل كان السامر سياسيا؟ لم يهتم يوما بالسياسة كمستقبل أو طموح الا بقدر إهتمامه بمستقبل بلده ومصيره، كان مستقلا منذ بداية حياته وحتى نهايتها، وتضيف د. سوسن السامر: "كان فكره ليبراليا يساريا ولكنه لم يتحزب يوماً. كان ضد النظام الملكي فاتهموه بالشيوعية لأنهم لايميزون بين اليسارية والشيوعية ، ولم يكتف النظام الملكي انذاك بفصله من التعليم بل ألحقه بالخدمة العسكرية الالزامية ، وبعد تسريحه سافر للتدريس في المعاهد التعليمية في الكويت ليعود بعد 14 تموز في العام 1958وهو يحمل آمالا بالمساهمة في بناء بلده، وفعلا كان لديه حس نضالي حيث أسهم إسهاما فعالا في حركة السلم التي تأسست في بداية الخمسينيات وحضر مؤتمرها السري الأول عام 1954 وفي العام نفسه أصبح مرشح الجبهة الوطنية الانتخابية في البصرة الى البرلمان . لم يناصر البعثيين يوما بل استقال بعد انقلاب 1963 من منصبه كوزير واختار اللجوء السياسي في جمهورية تشيكسلوفاكيا وشكل مع السياسيين المعارضين لانقلاب 8 شباط حكومة مناوئة في المنفى. وخلال اللجوء السياسي اسقط عنه النظام الحاكم في العراق انذاك وعن عائلته الجنسية العراقية وجواز السفر العراقي وعرضت عليه الحكومة في تشيكسلوفاكيا الجنسية لكنه اعتذر من قبولها تمسكا بجنسي
الدكتور فيصل السامر ثروة عراقية غيبها النسيان..
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:32 م