نجيب محيي الدين أجد لزاما علي أن أحيي فيكم تقديركم ووفاءكم لاستذكاركم لإبن بار من أبناء وطننا العراق ، فنذر نفسه له و للثقافة و الديموقراطية فيه ، فكان رمزاً من رموزه الناصفة. لقد ارتبطت به فكرياً و سياساً و شخصياً على مدى ثلاثة عقود تقريباً ، لم نفترق خلالها الا لبضع سنوات فرضتها الغربة عليه بعد انقلاب 8 شباط الدموي المعروف ،
فعرفته حقاً ... انساناً بانسانية عذبة سامية ووطنياً مخلصا غيوراً ، حيث تتجلى وطنيته في حبه للمواطنين و احترامه لهم . ومثقفاً عالماً في مجال اختصاصه ومتميزاً بصفات العلماء وتواضعهم، مع جرأة في فهم التراث وقدرة عالية على الانفتاح و التعامل بوعي مع المرحلة التي عاش خلالها فاستوعبها فكان من الرواد الذين لم يخذلوا الفكر ولم يخذلوا التراث ، و يتمثل ذلك في كتابه المشهور ((ثورة الزنج )) اولاً ثم في كل كتاباته الاخرى ، حيث تجلى فيها ايمانه بكل جوانب الفكر الديموقراطي وما يبغي اليه هذا الفكر وما يتصف به ، من توجه لتحقيق العدالة الاجتماعية وسعى وراء الحقيقة وتحرر فكري بعيداً من كل أنواع الانغلاق والتعصب. لقد عرفته بهذه الصفات وبغيرها من الصفات العلمية و الانسانية الجليلة التي يحملها منذ بدء تعارفنا في أوائل عقد الخمسينيات الماضي عبر لقاءاتنا في مجلة ((الثقافة الجديدة)) ثم ما كان من أمر فصلنا من الخدمة الوظيفية في عام 1954 لأسباب سياسية تتعلق بموقفنا الرافض و المعارض لسياسة الحكم الملكي ، ثم مواصلتنا ، مع زملاء و اصدقاء اّخرين ، الاهتمام بشؤون الوطن والثقافة في العراق بالعمل ضمن اطار جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957 من جميع الاحزاب السياسية الوطنية القائمة اّنذاك ، بالاضافة الى نشاطنا للدعوة لتأسيس نقابة المعلمين. وحين قامت ثورة14 تموز عام 1958 وقع الاختيار عليه ليكون مديراً عاماً للتعليم في وزارة المعارف (التربية) و اختارني هو لأعمل معه مديراً للتعليم الابتدائي فعرفت خلال عملنا المشترك مدى اخلاصه واستقامته في العمل وبفكره التنويري في مجال مناهج التربية و التعليم وطرق التدريس. والى جانب ذلك واصلنا الدعوة والعمل من اجل تأسيس نقابة مركزية للمعلمين مع زملاء اخرين يؤمنون بأهمية العمل النقابي نظراً لأهمية دور المعلم في اعداد المواطن الصالح وفي تحقيق النتائج المرجوة من العملية التعلمية و التربوية وما يترتب على ذلك من توفير الظروف المناسبة لأداء مهامه اجتماعيا واقتصادياً وضمان حقوقه الوظيفية و حمايته من الاجراءات الادارية التعسفية التي قد يتعرض لها ، فكان المرحوم فيصل ناشطاً متميزاً واسفرت الجهود عن تأسيس النقابة و انتخبه المؤتمر الاول نقيباً للمعلمين بالاجماع واستطاعت خلال فترة توليه هذا المنصب تحقيق الكثير من الانجازات و المكاسب التي تحمي حقوق المعلمين وترفع من مستوياتهمً و قدراتهم . ولم تمض الا بضعة اشهر حتى اختير ليكون وزيراً للارشاد (الثقافة والاعلام) فعمل جاهداً لتأسيس الفرقة السمفونية الوطنية وفرقة الاوركسترا للموسيقى الشرقية ووكالة الانباء العراقية وتطوير برامج الاذاعة و التلفزيون بكافة لغات القوميات المكونة للشعب العراقي ومنها مد ساعات البث الاذاعي باللغات الكردية والتركمانية التي كانت محددة ببضع ساعات فقط . وخلال فترة لجوئه الى "جيكوسلوفاكيا " بعد انقلاب 8 شباط تم تعيينه استاذاً في قسم الدراسات الشرقية بجامعة "يراغ" وهي من أقدم و اشهر الجامعات الاوربية ، نظراً لسمعته ومكانته العلمية لدى الأوساط الاكاديمية التي تعنى بدراسة التاريخ العربي و الاسلامي وحين عاد الى الوطن في أوائل السبعينيات الماضيات اصبح استاذاً للتاريخ الاسلامي بكلية الاداب ـ جامعة بغداد فأشرف على عدد من الدراسات المتميزة لنيل شهادات الدكتوراه و الماجستير . ويشهد له كل زملائه وطلابه ، وهم كثيرون ، بمدى غزارة علمه وسمو خلقه وحرصه على مساعدتهم وافادتهم حتى وافته المنية بعد صراع مرير مع المرض الذي تحمل اّلامه بصبر جميل و إباءٍ عال . كنت ازداد حباً وتقديراً له ، وثقة واعجاباً به كلما كانت تمر الايام فازداد قرباً منه ، لقد تعلمت منه الكثير وكان قدوة لي في كثير من المواقف . الرحمة و الرضوان لروحه الطاهرة وستظل اّراؤه و مواقفه موضع التقدير و الاعتزاز لدى المثقفين و الغيارى من اهلنا في العراق، ويبقى فيصل السامر علماً ثقافياً ومعلماً واستاذاً بارزاً وانساناً فاضلاً وسياسياً وطنياً وديموقراطياً حقاً. * نقيب المعلمين عام 1958 كلمة القيت في حفل تأبين فيصل السامر
فيصل السامر كما عرفته
نشر في: 9 ديسمبر, 2009: 04:35 م