حسن شعبانلم يعد المرء يصدق وهو يغادر القرن العشرين أن هناك في العراق وظيفة تسمى بـ (محرم) لنساء أعضاء في مجلس محافظة واسط (أعلى هيئة قيادية محلية في المحافظة)، "وشر البلية ما يضحك" أنهن أتين بانتخابات وعبر صناديق الاقتراع ومارسن شتى الدعايات لهن.
والمقترعون رجالاً ونساء قد صوتوا لهن ونافسن الرجال بجدارة. كما فرح الناخبون بوجودهن في مجلس المحافظة وأدركت نسوة واسط أن المرأة لم تعد ملحقاً لسلطة ذكورية وإنما إرادة نسوية مستقلة لها ما على الرجل من واجبات واتخاذ قرارات. لقد شعر المقترعون في واسط نساء ورجالا بخيبة أمل، جراء ما سمعوه عن رغبة مجلس المحافظة في تعيين (محرم) لنساء مجلس المحافظة وبرواتب شهرية مستمرة، وأدركوا – بعد حين- أن صوتهم قد ذهب في غير محله. نساء واسط معروفات بشجاعتهن في بدايات القرن الماضي وعند استقلال العراق تخرج العديد منهن من المعاهد والكليات العراقية وشاركن الرجل في مسؤولية العديد من مرافق الدولة، وكان حضورهن لافتاً للنظر في العمل السياسي ومنظمات المجتمع المدني وخاصة في (ريف الكوت) كما كان يسمى آنذاك. فليس من المنطقي وبعد أن تجاوز هذه المراحل الزمنية أن يعود المجتمع العراقي إلى آليات القرون الوسطى وشرائع الغاب والتمييز السافر بين المرأة والرجل . ماذا سيحدث لو أن اجتماعا يضم عشرات من الرجال والنساء ويتم فيه تدارس مصالح المواطنين؟ وهل يشعر هؤلاء الرجال المسيطرون على إدارة المحافظة أن النسوة المجتمعات معهم بهذا المستوى يهابون رجلاً مثلهم في الإنسانية؟ وهل أن القضايا التي يتم مناقشتها في مجلس المحافظة تستلزم حضور محارمهم؟ المرأة في العراق تقلدت مناصب كبيرة فهي وزيرة وقاضية وأستاذة جامعية ومناضلة سياسية واجتماعية، والآن ضابطة شرطة قادرة بدون جدال على اتخاذ القرارات العامة وبالتالي فهي أجدر من هذا الرجل أو ذاك باتخاذ قرارات ومواقف خاصة. قصيرو نظر أولئك الذين يتصورون أن المرأة قد تكون سهلة المنال دون إرادتها، وقد عبّر المثل الشعبي عن هذه الإرادة في أن امرأة تملك إرادتها وهويتها قادرة على الصمود في وجه جمهور من الأفاقين. إن علامات الاستفهام والاستغراب تتوجه إلى رجال مجلس المحافظة وليس إلى النساء، فهم وحدهم المتهمون وهم وحدهم بحاجة إلى رفض هذه الوظائف، ذلك لأنهم قادرون على أن يتعاملوا مع شقيقاتهم في المجلس بروح من الرجولة والمساواة والتفاهم! لا ندري لأي سند قانوني ودستوري أستند إليه قرار مجلس المحافظة باختيار محارم لنساء المجلس؟ وهو قرار خطر يُعرّض السلم الأهلي والمجتمعي إلى الانتهاك ويتقاطع مع الباب الثاني في الدستور ومبادئ حقوق الإنسان في المساواة وعدم التمييز مضافاً إليه ليس هناك قانون عراقي نافذ ومعمول به يسمح لقرارات تعسفية كهذه، وأين وزارة المالية من تخصيصات مالية لمثل هذه التعيينات؟ وتحت أي باب أو مفردة سيأتي وجود هذا القرار؟ والذي سيعتبر هدراً متعمداً للمال العام. ولا نعلم إلى أين ستسير الأمور بالقيادات الدينية إلى مثل هذه القرارات الجائرة، باتجاه وجود محارم لدى الدوائر الرسمية وغيرها؟ تصور عزيزي المشاهد أي تخلف وهدر مال سيقع على العراق الجديد . لقد حسم الدستور الموافق عليه من الجميع أن الدولة، رغم ان الإسلام يشكل فيها الكتلة الأكبر، هي دولة مدنية فيها قوانين تتماشى ومبادئ الإسلام ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية ولا يمكن الخروج عليها وليس هناك أي إشارة إلى دولة ولاية الفقيه أو غيرها. الحكومات العراقية المتعاقبة وافقت على الإعلان العالمي (العهدين الدوليين ومعاهدة سيداو واتفاقية الطفل) وكلها أقرت بمساواة الرجل والمرأة بشكل لا يقبل الاختلاف فعلام هذه القرارات ولمصلحة من!؟ إنها دعوة لإسقاط أكثر من نصف المجتمع. ودعوة متعمدة للسيطرة الذكورية ولترهات المتطرفين والمشعوذين وفتنة جديدة باتجاه تمزيق المجتمع. قانون الأحوال الشخصية النافذ والذي سن في منتصف القرن الماضي أقر في نصوصه أنّ للمرأة حقوقاً واسعة في الزواج والطلاق، وقد يكون فيه مساواة للرجل، والمحرم عودة عن هذا الطريق . اتقوا الله في مثل هذه القرارات ورفقاً بالمرأة العراقية وهي جديرة بأن تكون إنسانة وتتساوى مع الرجل في تغيير المجتمع، بل وتزيده في أدوات هذا التغيير لما تتمتع به من رباطة جأش ونفس طويل وحصافة في التفكير .
محارم (محافظة واسط) والدولة المدنية
نشر في: 11 ديسمبر, 2009: 05:34 م