حافظ القباني برغم ان اسمها نرجس والنرجس استعان به علماء النفس لاستعماله كدليل على النرجسية وهي في عرفهم الانانية وحب الذات الى حد التحول الى مرض نفسي.. الاّ ان الاسم هنا لايأتي مطابقا للمسمى.. فنرجس شوقي المطربة القديرة كانت بسيطة وطيبة وتعمل بكل طاقتها لكي تقدم للاخرين فنا وطربا ومتعة نفسية وذلك عن طريق البحث عن الكلمة الحلوة واللحن التطريبي الجميل،
بما يستجيب مع الذائقة الشعبية وليس ادل على ذلك اكثر من شيوع اغنياتها التي يرددها المستمعون صغارا وكبارا، وليس اصدق تعبيرا عن ذلك من اغنية: شدعيلك يللي احركت كلبي كون ابلوتي يبلاك ربي مهدوم حيلك سهران ليلك تتحسر وولفك ما يجيلك منذ ثلاثين عاما تقريبا ولم تفقد هذه الاغنية حلاوتها وشعبيتها لدى جمهور المستمعين ونرى في هذه الكلمات ميزة شعرية يفتقر اليها الكثيرون من شعراء الاغنية هذه الايام.. فلو قرأتم الشطر السابق من هذه الاغنية لوجدتموها من حيث الايقاع وكأن الشاعر اوحى للملحن بالنغم المطلوب.. وهذه احدى ميزات الأغنية العراقة والصدق والاصالة لدى الشاعر والملحن.. اما نرجس شوقي المغنية فالحديث عنها يثير التساؤل حقا.. فهي فنانة مصرية، قدمت من حواري القاهرة الشعبية.. حيث ترعرعت فيما بعد وعملت في ملاهي شارع عماد الدين، شارع الفن الذي تخرج فيه كبار فناني وفنانات مصر من اهل الموسيقى والغناء والمسرح واساطين الدراما والمسارح الاستعراضية يكفي ان نذكر منهم نجيب الريحاني وبديع خيري وعلي الكسار ويوسف وهبي والشيخ سيد درويش.. وصلت نرجس شوقي الى بغداد ولم يخطر في بالها انها ستمكث فيها اكثر من شهر وهي فترة العقد (عقد العمل) الذي وقعته مع احد اصحاب الملاهي، واذا بالفترة تطول لتبلغ عشرين عاما، واستقبلت الاذاعة العراقية عام 1947 هذه المطربة المصرية واسهمت في اتساع شهرتها بين المستمعين واصبحت المطربة المطلوبة دائما في الحفلات العامة والخاصة، ثم اتسع نطاق عملها ليشمل المحافظات في العراق، واحبت نرجس شوقي بغداد والبغداديين، واحترمت هذا الجمهور الواسع من العراقيين لكونها حظيت بالنجاح والاعجاب الذي لم يخطر على بالها وكانت نرجس توظب خلال فترات راحتها على زيارة المراقد والاضرحة الدينية وتوزع على المحتاجين شيئا من المال، كما انها وزعت الكثير من عواطفها على من استحقها وعلى من تنكر لها.. الا ان عواطفها تجاه الملحنين والموسيقيين كانت متوازنة فعلا لان هؤلاء الفنانين منحوا نرجس شوقي الفهم الموسيقي والادراك الدقيقين لمعنى الغناء والنغم، كما منحها الشعراء الشعبيون الحس المرهف بمعنى الكلمة وكيفية التلفظ الصحيح للهجة البغدادية، واذا كان هناك ما يميز نرجس شوقي عن المطربات العربيات اللواتي فشلن في اداء الاغنية البغدادية لحنا ولفظا وايقاعا فان نرجس استطاعت تجاوز كل هذه المراحل اللحنية واللفظية والسير مع الايقاع العراقي الصعب جدا المعروف بـ(جورجيا).. لقد اضحت نرجس شوقي المطربة الوحيدة القادرة على سد الفراغ الذي تركته (سليمة مراد) بعد اعتزالها الفن، بل تفوقت عليها في احيان كثيرة، اذ انها لم ترضَ لنفسها ان تظل تراوح في مكانها فهي لاتؤمن بالتوقف، لذلك انتقلت الى مرحلة ليست سهلة كانت مرحلة القصيدة الشعرية المغناة، وقد سار معها في هذا السبيل الفنان العراقي المبدع (يحيى عبدالقادر) الذي ابدل اسمه الثاني فاصبح معروفا باسم (يحيى حمدي) حيث لحن لها قصيدة (ياجيرة البان) وهي من شعر المديح للسيرة النبوية الشريفة وقد سار فيها يحيى حمدي على نهج الفنان العبقري القدير رياض السنباطي صاحب الملاحم اللحنية والشعرية في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبرغم ان هذه القصيدة قد نجحت واخذت ما تستحقه من الذيوع والشهرة فان الحقيقة التي ينبغي لنا ان نذكرها في هذا الصدد هي ان هذه المطربة الموهوبة كانت امية لاتقرأ ولاتكتب وحظها من الثقافة والاطلاع وقراءة الشعر ضئيل جدا، وبرغم هذه الحقيقة يمكننا القول ان الارادة والتصميم لايعترفان بالمستحيل.. وقد بذل الفنان يحيى حمدي جهودا مضنية في تحفيظها شعرا ليس سهلا ولحنا مركبا مختلطا بلوازم موسيقية وضروب عديدة من الايقاع ومع ذلك وبفضل التمرينات العديدة المستمرة مع الفرقة الموسيقية فان نرجس شوقي المطربة الموهوبة استطاعت تقديم هذه الاغنية بنجاح. ان قصيدة (ياجيرة البان) التي تحدثنا عنها وغنتها المطربة نرجس شوقي مازالت مسجلة على شريط مغناطيسي، بعد ان سجلت في البداية على (سلك مغناطيسي) وهو الجهاز الذي دخل الى الاذاعة سنة 1951. اما زواجها فقد تم بعد ان جاء المطرب الشعبي محمد عبدالمطلب الى بغداد للعمل فيها، وبعد مرور عدة اشهر تم زواجهما في بغداد وعملا في محافظة كركوك.. وقد استغرب كل من سمع بنبأ العمل في كركوك وتفضيله على العمل في بغداد وهي العاصمة.. وسرعان ما زال استغرابنا حين اخبرنا بعض الراسخين في العلم ان عبدالمطلب ونرجس يمتلكان رصيدا عاليا من المعجبين في كركوك وقد تأكد ذلك بعد استمرارها في العمل هناك اكثر من سنة.. وقد تبين لنا في ما بعد ان نرجس شوقي ومحمد عبدالمطلب قررا العودة الى مصر لانتاج فيلم غنائي شعبي يقومان ببطولته، وظهر باسم (تاكسي حنطور) من اخراج (احمد بدرخان) وعندما عرض الفيلم كان نصيبه الفشل الذريع، وهكذا ضاع المال وتبعه ضياع الحب بين الاثنين، وعادت نرجس شوقي ال
ذكريات: نرجس شوقي .. من شارع عماد الدين إلى ملاهي بغداد
نشر في: 13 ديسمبر, 2009: 04:01 م