عبد القادر البراك من الطرائف التي اوردها المرحوم الشيخ محمد مهدي كبة في الجزء الاول من مذكراته (في صميم الاحداث)، والذي علمت ان كبة انتهى قبل وفاته باشهرمن وضع الجزء الثاني ومن الطرائف التي اوردها كبة: ان الهيئة العليا لحزب الامة الاشتراكي ارادت ان تقلد احزاب (المعارضة الحقيقية) فطلبت من الاعضاء الذين لم تعارض وزارة نور الدين محمود فوزهم بالنيابة، ان يستقيلوا من النيابة
تأييدا لطعن الحزب المذكور بنزاهة الانتخابات التي قامت بها الوزارة المذكورة واسفرت عن فوز الاكثـرية المطلقة من اعضاء المجلس بـ(التزكية) وهو المجلس الذي اسماه فايق السامرائي في مقال افتتاحي له لاحدى الجرائد الناطقة بلسان حزب الاستقلال بأنه (مجلس الجنرال)!.. ولكن النواب الذين طولبوا بالاستقالة واعلنوا الموافقة على ان يستقيل قادة الحزب من مجلس الاعيان لانه جزء من السلطة التشريعية، الا ان القادة اعترضوا على ذلك بانهم معينون من قبل الملك، ولهذا فانهم لايستطيعون الخروج على (الارادة الملكية) فقال سوادي الحسون، احد هؤلاء الفائزين بالنيابة (ونحن اذن لانستقيل لان سمو الوصي هو الذي اوعز بانتخابنا) لذلك فقد استقالوا من الحزب مؤثرين عضوية مجلس النواب، وقد كوفئ سوادي الحسون على جوابه هذا بأن ظل محتكرا لكرسيه النيابي طوال وجود المجلس النيابي في العهد الملكي!. ويبدو ان مثل هذه المواقف لم تكن الاولى من نوعها فقد سبقتها مواقف مماثلة، فحين قاد رشيد عالي الكيلاني معارضة وزارتي المدفعي والايوبي التي حالت دون فوز اعوانه من حزب الاخاء الوطني طلب الكيلاني من القلة القليلة من اعوانه الذين فازوا بالنيابة ان يستقيلوا فاشترطوا عليه استقالته من مجلس الاعيان فقال لهم انه معين من الملك فرد عليه النواب المعترضون ونحن كذلك معينون من البلاط!. وهكذا فقد كانت الحياة النيابية في بعض العهود فارغة من محتواها الديمقراطي الحقيقي، والاّ فأي منطق هذا الذي يجعل (العين) يرفض تنفيذ قرار حزبه بالاستقالة من العينية لينزع الشرعية عن السلطة التشريعية في حين يطالب اعوانه من النواب بالاستقالة في حين ان (التواطؤ) على صيرورتهم اعضاء في مجلس النواب او الاعيان هو الذي مكنهم من هذه العضوية!. بقي ان نقول ان تمسك العين بعضويته باعتباره معينا من قبل الملك يخالف روح الدستور، لان الملك انما يحكم بواسطة وزرائه وان الارادة الملكية بتعيين اعضاء في مجلس الاعيان لابد ان تكون مستهلة بالكليشة المعروفة (بناء على ما عرضه رئيس الوزراء).. ولابد ان تكون مختومة بتوقيع رئيس الوزراء الذي ينوب عن وزرائه في اقتراح التعيين!. وكان الموقف الدستوري السليم فيما اعلم هو موقف رؤوف الجادرجي وزير المالية في وزارة عبدالمحسن السعدون الثانية فلقد ذكر في استقالته (ان حق تعيين الاعيان من الحقوق الممنوحة الى الملك بموجب احكام القانون الاساس، الا انه نظرا الى عدم مسؤولية الملك، وحيث انه يقتضي ان تصدر الارادة الملكية تحت مسؤولية الوزراء ذوي الشأن ولما لم يكن تعيين الاعيان من الامور العائدة لوزارة واحدة، فالارادة الملكية التي تصدر بهذا الباب يتحتم ان تكون بناء على قرار يصدر من مجلس الوزراء اي يجب ان تعرض على هذا المجلس وتؤخذ موافقته قبل عرضه على الملك لاصدار ارادة ملكية!.. وقد احتفظ السعدون باستقالة رؤوف الجادرجي الذي اكدها بعد شهر من تقديمها فاجابه السعدون بقبول استقالته بالجواب التالي.. (بعد التحية: ان القانون الاساسي صريح جدا في خصوص تعيين الاعيان، اي ان هذا الامر من حقوق جلالة الملك وحده، ولذلك لا ارى اعتراضكم على تعيين (هؤلاء الاعيان) الاّ عبارة عن خلاف بيني وبينكم، ربما لاتزالون مصرين على الاستقالة فلا يسعني والحالة هذه الاّ قبولها).. ومن الطريف، ان الاعيان الثلاثة الذي تم تعيينهم بموجب هذه الارادة التي استقال رؤوف الجادرجي بسببها قد جوبهت بعراقيل لم تكن بالحسبان فقد ذهبت الارادة بتعيين عبدالحسين الكليدار في كربلاء الى مدير اوقاف كربلاء، في حين كان المقصود فيها الكليدار الحقيقي الذي يحمل نفس اللقب – وقد تمسك الاول بالعضوية، كما وجه الطعن بعدم بلوغ الثاني السن القانونية وكون الثالث من آب غير عراقي، ولكن الامور (سويت) على النحو الذي كان مألوفا في تسوية مثل هذه الامور وذكر بعض المشاغبين ان رؤوف الجادرجي كان يريد ان تسند عضوية الاعيان لغير من اسندت اليهم، ولكن هذا لم يتأكد، فقد اعتزل الجادرجي العمل السياسي في العراق وانتقل للعمل في مقر شركة النفط (العراقية) في لندن، وهو منصب كان يطمع بنواله المجاهد المعروف عزيز علي المصري ولكن الانكليز الذين كانوا يرتابون منه والملك فيصل الاول الذي كان لايأمن جانبه ويملك الانطباع الذي كان يحمله عنه والده الملك حسين حالا دون ذلك!. والغريب ان الاعيان الذين ينكر عليهم السياسيون الملمون بالدستور العراقي من ناحيتي الشكل والموضوع بقوا يمثلون الطبقة الحاكمة ويترأسون الوزارات في حين كان المفروض ان تتألف الوزارات من النواب المنتخبين من الشعب، وقد اعترض نوري السعيد على الشيخ محمد رضا الشبيبي بأنه لايمثل الشعب لانه من الاعيان حين عارض الاخير ميثاق بغداد، فاجابه الشبيبي بأنه (وانك كذلك من الاعيان) وضحك بعض الاعضاء وعاد العضوان الى الصفاء بعد المعركة التي لم تدم اكثر من عشر دقائق!. جريدة ال
ذكريات (ايام زمان) : خطــأ فـي الارادة المـلـكيـة
نشر في: 13 ديسمبر, 2009: 04:03 م