محمد درويش عليهكذا شيئا فشيئاً عدنا الى الوراء بعد أن كنا نؤمل أنفسنا بوطن ينام على أحلام وردية، ويصحو أبناؤه على زقزقة العصافير وهديل الحمام. ولكن بفضل التصريحات الرنانة التي تعقب كل تفجير وتطمئن المواطن بأن ماحصل (مخطط له)
وتقف وراءه جهات قابعة في دول الجوار، وسنفتح تحقيقاً بذلك ونعاقب المقصرين، والآتي جميل وليس له من مثيل، وتختتم التصريحات باستنكار ماحصل. وكأن الاستنكار يحل المعضلة ويخرجنا من فرن الانفجارات. والمثل الشعبي يقول: اغلق بابك ولاتتهم الجيران. وهذا ينطبق على وضعنا الحالي وعدم اغلاق أبوابنا، وأختيار التبريرات التي ماعادت تنطلي على مجنون وليس معافى، والناس في كل مكان يسألون عن الذي حصل والذي يحصل ولامن اجراء عملي صحيح يوقف نزيف الدم العراقي الذي بتنا نشاهده في السيارات والمطاعم والدوائر وعلى عتبات بيوتنا وفوق الأرصفة والشوارع وفي الاسواق والمساجد حتى وصل الأمر الى مدرسة ابتدائية، وقتل عشرات الأطفال الأبرياء. ان الموضوع برمته يكاد يشبه فيلماً من الخيال العلمي، ففي أربعينية شهداء الأحد الدامي، وبعد يوم من موافقة البرلمان على قانون الانتخابات، يحصل تفجير أقوى من تفجيرات الأربعاء والأحد الداميين، وبالطريقة ذاتها، وكأنه تمرين على القتل والارهاب يقوم به القتلة وأصحاب السوابق والمدمنون على كل ماينال من الانسانية ويوقف تطورها ونموها وتمرين على اللامبالاة يقوم به السادة المسؤولون عن الملف الأمني،واصرارهم على عدم الاستفادة من خبرة السنوات التي مضت، والتي كانت فيها انواع متباينة من القتل والذبح والتفجير، معتقدين ان الأمن يكون بتواجد رجال الجيش والشرطة الكثيف في نقاط التفتيش، وقيامهم بجمع أكبر عدد من السيارات وخلق زحامات تضاف الى زحامات الجدران الكونكريتية التي حجبت بيتاً عن بيت، وليس شارعاً عن شارع. ايها السادة اتركوا التصريحات جانباً لأننا شبعنا منها حد التخمة، ودعوا الاتهامات جانباً وفكروا بالموضوع من الجانب الوطني والانساني، ومن المسؤولية التي حملكم اياها هذا الشعب حينما توافدوا بالملايين على مراكز الاقتراع لانتخابكم، ولاتجعلوه يندم على انه اختاركم وبرلمانه الذي يغط في سبات البحث عن اخطاء أعضائه وتداول الاتهامات فيما بينهم من أجل مكسب هنا أو مكسب هناك. وقولوا لأنفسكم هل لديكم أجهزة استخبارية بامكانها الاستدلال على مواقع هؤلاء القتلة، ورصد اخبارهم وحركاتهم قبل ان يحصل اي انفجار؟ وهل تعلمون ان ايقاف هذا النزيف لن يكون فقط بنصب السيطرات، ونشرها في كل مكان فقط. وانما بخلق عيون تتصيد هؤلاء حتى لوكانوا في جحور ضيقة؟ أم تتناسون كل هذا وتعلقون صوركم الانتخابية بعد أيام في أماكن التفجيرات والبدء بالمهاترات والمزايدات العقيمة التي لاطائل منها، سوى الضحك على الذقون، بترديد عبارات تدلل على انكم الممثلون الحقيقيون لهذا الشعب المبتلى منذ أكثر من أربعة عقود بأنواع الموت والدمار والسجون والملاحقات والتفجيرات؟ لاأدري ان كانت لكم أجوبة واضحة وصريحة على كل هذا، أم ان تفجيرات الثلاثاء تمضي مثل غيرها ليبحث الجناة عن ثلاثاء آخر، ليكملوا مسلسلهم الذي بدأ وكأنه لا ينتهي؟ وأختتم كلامي بمقولة عربية قديمة: اذا كنتم على كرسي وشعرتم ان دماءً تراق عليه، فتنحوا عنه لكي لا تراق تلك الدماء.
وقفة: انفجارات مثل التصريحات!
نشر في: 13 ديسمبر, 2009: 06:29 م