باسم عبد الحميد حمودي يقال عن الصحافة أنها السلطة الرابعة ، بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وفي سوابق تاريخية قليلة اصبحت الصحافة سلطة اولى ،يستطيع الكاتب الصحفي فيها ان يقود،ولكن لزمن. خلال الثورة الامريكية ضد الاحتلال الانكليزي التي قاددتها مجموعة من الشخصيات امثال جورج واشنطن وجون أدمز وسواهما ،
تحرك الجنود الثوار من خندق الى خندق وهم يحملون معهم الصحف التي كانت تنشر يوميا مقاطع من الـ comuen sense (التي ترجمت الى العربية تحت عنوان: حصافة، ولكنها اشتهرت عربياً بعنوان : بديهيات)، وكانت هذه البديهيات عبارة عن مقالات يومية شديدة الجرأة تتحدث عن امريكا الجديدة الحرة الخالية من هيمنة الحكام الانكليز وسيئاتهم وابتزازهم الناس وسرقتهم المال العام، وعن ضرورة العمل اليومي من اجل الحرية والتخلص من الطاعة والولاء الى ملك بريطانيا الذي تفصله عن الدنيا الجديدة (هكذا كانت تسمى الولايات المتحدة) والذي بموجب هذا الولاء المفروض لجلالته يبتز وممثلوه موارد البلاد الجديدة دون وجه حق ويستطيع أن يسجن او يقتل او يكافئ أياً منهم. هذه السلطة المطلقة رفضها الكاتب الشاعر توم بين كاتب البديهيات ، وقال في الكثير من نصوصه التي كانت تهز الجنود وتدفعهم للقتال : ان الله عزّ وجل خلق البشر عراة متساوين في الخلقة وليس من حق احد على احد ان يظلمه ويستغله او يقتله اذا خالفه ، فالحرية هي اساس الحياة ونظامها ،(أهل) تلك الولايات الجديدة يريدون ان يكونوا أحراراً ولا يروا أعلى من رؤوسهم سوى الاشجار. كان الجنود يقرأون البديهيات يومياً في الصحف التي تصل اليهم،قراءة جماعية (أحياناً) وبذلك قادت الصحافة العسكر في الجبهة وقادت السلطة التشريعية حتى استقل الامريكان، وصار جورج واشنطن رئيسا، فتنكر هو وسواه الى الصحفي الاديب توم بين الذي اضطر الى مغادرة الولايات المتحدة الى فرنسا حيث احتفى به ثوار فرنساو( انتخبوه ) نائبا في الجمعية الوطنية بعد ثورة تموز 1789 لكنه وجد في انحراف الثورة عن اهدافها ما جعله يبتعد عن العمل السياسي. هذه صورة لقيادة الصحافة الدولة الناشئة بأسرها، وكم أسهمت الصحافة( أو بسبب الصحفي ) في إشعال أوار حرب غيرت مجرى التاريخ، من ذلك موقف الصحف الصربية من النمسا بعد اغتيال الطالب البوسني برنتزيب الارشيدوق فرديناند ولي عهد النمسا في مدينة سيراييفو في نيسان عام 1914 ، الأمر الذي دفع الصحافة النمساوية الى التشدد في فرض شروط التحقيق ما أشعل النار الأوروبية الأولى مطلع القرن العشرين . ولا يتسع المجال لإيراد تفاصيل تأثيرات الصحافة على المجتمع الذي نفترض بداية انه مجتمع قارئ يتأثر بالمادة المنشورة، ولكننا نجد اننا في بلاد الشرق العربي – وسواه – نعاني سلبيات الكثير من ألوان من الصحافة غير الملتزمة برسالة الصحافة الاساسية التي تتمثل في: إيراد المعلومات بشكل دقيق دون تهييج لمشاعر او استعداء على افراد او جماعات والاصرار على ثوابت السلم الأهلي. نشر المواد الصحفية التي تساعد على تجديد ثقافة القارئ في شتى اهتمامات الصحيفة، باعتبار ان الصحافة هي السلطة الرابعة فان من واجباتها متابعة المنجز اليومي للمؤسسات وإبراز الجيد منه مع عدم التغافل عن الجوانب السيئة في تنفيذ المشاريع وما الى ذلك. هذه بعض بديهيات الواجب الصحفي في صورته المدونة ،ولكننا نجد ان البعض من الصحفيين لا يعتمد اصول العمل الصحفي النظيف فيعمد الى تشويه صورة الخبر والى التغافل عن مسؤول نتيجة انحيازه الى مسؤول آخر أو بتوجيه منه ، أو القيام بمهاجمة مشروع منجز دون وجه حق لغرض في نفسه او نفس من يوجهه ، وبذلك يتحول العمل الصحفي الى تشويه صورة منجز أو الى ابتزاز. من جهة أخرى فإن دوائر مسؤولة ووزارات تعمد الى ابتزاز و(معاقبة) الصحف الملتزمة بقول الحقيقة بعدم تسهيل مهمات مندوبيها وقطع الاعلانات عنها في محاولة لـ (تركيعها ) وجعلها تنفذ برامج صحفية وتحقيقات تلمعّ من صورة تلك الدوائر والمؤسسات. ان وجود صحافة (صحفي ) مبتزة يقابله وجود مؤسسات دولة مبتزة بوجه عام لاسباب منها : عدم وجود فواصل واضحة بين الصحفي المبني مهنيا وبين الصحفي الهاوي الذي يتخذ من مهنة الصحافة و سيلة للارتزاق الشخصي دون وازع من ضمير في وقت لا تقوم لجان الضبط الصحفية بمعاقبة الصحفي الخارج على ضوابط المهنة ومناقبياتها. السماح لمسؤولي الشركات والدوائر بتقديم الهدايا العينية والمادية للمحسوبين على مهنة الصحافة ممن يروجون لأعمال تلك المؤسسات في صحفهم بشكل مجانب للحقيقة ، وقد يسبب ضررا اجتماعيا أو صحيا للقراء نتيجة لعدم ذكر الحقيقة أو تغييبها فيما يخص مؤسسات نافذة في النفط وشركات الهاتف النقالة واستيرادات السلع غير المفيدة وما الى ذلك. عدم محاسبة الدولة قانونياً لمروجي الدعايات الكاذبة او غير الدقيقة عن منجزات دوائرهم وعدم منع الجهات الصحفية ( النقابات او المؤسسات الصحفية المرموقة ) لصحفييها من الافادة الشخصية من ترويج صور مشرقة عن مؤسسات فاشلة. الصحافة المرئية والمدونات ما ينطبق على الصحافة المقروءة يبدو اكثر فاعلية وتأثيراً في الصحافة المرئية حيث ابتليت الفضائيات ( العراقية منها بوجه خاص)بوجود مقدمي ومقدمات برامج لا يعرف الكثير
من (دهاليز) الصحافة وأهلها
نشر في: 14 ديسمبر, 2009: 03:46 م