علي حسن الفواز لا يمكن التعاطي مع جوهر المشكلة التاريخية التي وضعت موضوعة المرأة في سياقها وأطرها كمفاهيم وإيديولوجيات، دون مقاربة الأسباب والموجبات التي أسهمت في صنع هذه العلاقة القهرية وصورها النمطية في التاريخ والتدوين، والتي تحتاج بالضرورة الى استقراء موضوعي يدرك إشكاليات معقدة على مستوى النظرة الاجتماعية والتاريخية،
وعلى مستوى نظام الحاكمية السياسية التي أسهمت الى حد كبير في تشكيل الاسس الثقافية والاعرافية لهذه المشكلة، تلك التي كرست استلاب المرأة في العلاقات الاجتماعية والحقوق العامة، فضلا عن تكريسها أنماطاً من الثقافات الثانوية التي شرعنتها السلطات المحلية والعرفانية كتقاليد ووقائع يتم بموجبها تنظيم الأطر المرجعية لعلاقة المرأة في المجتمع والأسرة وفي تعاطيها مع الإشكالات الناشئة عن تعقد مفاهيم التعليم والحرية والحقوق وكل ما يتعلق بالجوانب الشرعية والتشريعية كالميراث والزواج والحقوق والعمل وغيرها... لاشك ان الأوضاع الراهنة في عالمنا العربي والإسلامي وطبيعة التحولات المعقدة التي تجاوزت ما نتج عن المدارس التجديدية وبعض أفكار الحداثة أسهمت في تكريس ثقافات استلابية أعلت من شأن السلطة الحاكمية في فرض شروط وحدود النظام الاجتماعي وانحازت كثيرا الى النظرة الأصولية في تفسيرها وتأويلها للنصوص والمفاهيم العامة للحقوق، مثلما أسهمت أيضاً في تسويق هذه الشروط وبما يعزز خصائصها المفهومية في العلاقة العامة وفي العلاقة مع السلطة ومع القانون، حدّ فرض القمع والحرمان وكل ما يؤسس على ذلك من تشوهات قيمية وفكرية وجنسية فقدت إزاءها المرأة الكثير من حضورها ودورها في الفاعليات الاجتماعية والثقافية والسياسية... ولعل الحديث عن دور فاعل وحقيقي للمرأة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية بقطع النظر عن الشكل القانوني لما هو متحقق، لا ينطلق من كشف الاطر السرية لثقافة المقموع والمسكوت عنه فقط باعتباره جزءا من اشكالوية الخطاب الثقافوي النسوي، بقدر ما يتطلب، وهذا شرط اساسي الى إعادة إنتاج مفهوم السلطة الحاكمية ذاتها قبل اي سلطة أخرى، لان هذه السلطة هي التي تحتكر أدوات القمع وتحتكر مرجعيات إصدار القوانين والتشريعات التي من شأنها ان تقيم الفروض والأحكام التي تشرعن الاستبداد الاجتماعي. واحسب ان تفكيك هذه السلطة هو جوهر التغيير الحقيقي الذي يؤدي الى إشاعة مناخات البحث عن حلول اجتماعية وثقافية واقتصادية قابلة للتنفيذ، وبالتالي البحث عن حلول أكثر واقعية وأكثر إنسانية للكثير من الإشكالات العالقة والمعقدة والتي كرستها النظم السياسية وليس النص الديني، والذي تماهى مع ما كرسه الموروث القهري كعادات سلوكية وأعراف اجتماعية وأنماط ثقافية ارتبطت بجندر تاريخ النسوية، تلك التي أسست الكثير من فروضها وأحكامها خارج القراءة الحقيقية للنصوص الدينية التي تؤمن في جوهرها بقيم العدل والمساواة ومراعاة الحقوق الإنسانية الجنسانية والفكرية للجميع. شرعنة هذه النظرة الجديدة لاتأتي طبعا من فراغ او طواعية وإنما تفترض أشكالا متقدمة من الحوار الثقافي وتعزيز القيم الجديدة في النضال الاجتماعي والثقافي والمهني باتجاه خلخلة الكثير من الثوابت المؤطرة بأحكام اجتماعية قاصرة من خلال الانفتاح على المشهد الاجتماعي الواسع والاستفادة من خبرات القوى السياسية التنويرية والفاعلة في سياقها الاجتماعي والفكري والمجتمعي، فضلا عن الانفتاح على الكثير من القوى الدينية المتنورة والواعية لمشروع الدولة ومشروع المجتمع، والتي تؤمن الى حد كبير بقيم حرية الإنسان وحقوقه التي أقرتها الشرائع والقوانين الوضعية، فضلا عن العمل الواسع والمبرمج على تعزيز اي اتجاه للتنمية الاجتماعية ودعم دور الثقافة المدنية، بعيدا عن أية (فنطازيا) تفترضها بعض الطروحات الراديكالية والتي لا تنجز شيئا ولا تؤسس موقفا فاعلا، بل انها تضع قضية المرأة كنوع من (البروبانكدا) وفي إطار تجاذبات وصراعات تكون فيها المرأة هي الحلقة الأضعف والأكثر استلابا. وإزاء ذلك فان السعي الى إنضاج العوامل السياسية داخل المجتمع وتوسيع دوائر الأفق الثقافي في مدياته الإعلامية والفكرية والتعليمية وتعميق ما هو فاعل داخل بيئتها النافذة عبر الإسهام في كل أشكال النضال الديمقراطي مهما كان نوعه وإنضاجها ثقافيا بالشكل الذي يسهم في ديموتها وفي العمل الدؤوب على تغيير ما يمكن تغييره من الاتجاهات العامة للرأي والسلوك والمعايير التي تتحكم عادة بالكثير من عوامل إنتاج السلطة، أي السعي الجاد والموضوعي والمتوازن لخلق بيئة تطبيعية تخف فيها الجذوات الصراعية والسعي لجعلها مرجعا حيويا في الحراك الاجتماعي وفي قراءة السياقات القانونية للحقوق العامة ووضعها في مجرى التنفيذ ومنها حقوق المرأة ، واجد ان إنضاج هذه العوامل وتعميق معانيها في إطار علاقات اجتماعية قابلة للحوار داخل النسيج الاجتماعي والثقافي سيوسع نطاق الفعل الثقافي واتجاهاته وأحكامه وتوقعاته كما يقول علماء الاجتماع ، وبالتالي توسيع مديات تسويقه،أي توسيع المدى المؤثر للخطاب الثقافي الذي يستقرأ في الكثير من محاوره اشكالات الاضطهاد الجنسي والاجتماعي للمرأة وضرورة العمل على اعادة انتاج الصيغ القانونية كجزء من بناء الدولة الجديدة او كجزء من آليات الإصلاح المؤ
الخطاب الثقافوي النسوي وشروط الحاكمية السياسية
نشر في: 15 ديسمبر, 2009: 05:11 م