TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فيلم the troman shaw عرض ترومان .. الانــســـان اثــنـــاء عــرضـــه لـمــأســـاتــه

فيلم the troman shaw عرض ترومان .. الانــســـان اثــنـــاء عــرضـــه لـمــأســـاتــه

نشر في: 16 ديسمبر, 2009: 04:16 م

صباح محسن مهمة المخرج بيتر واير لم تكن بالسهولة المتوقعة للكثيرين، خاصة النقاد منهم، اذ تكمن الصعوبة في تقديم عرض مزدوج، القصة المكتوبة للسينما، بطريقة السيناريو المكتوب بشكل استعراضي متداخل بطريقة التمثيل الضمني، او الاعلان عن فكرة ان الذي يجري هو مجرد تمثيل للاحداث وليس الاحداث ممثلة!
كما هو وارد في طروحات المسرح الملحمي عند بريشت، والاعلان للمتلقي ومن خلال تداخل الممثل مع الجمهور وفي حالة جلوسه معهم، ومن ثم القيام بأداء دوره، ليقوم باشعارهم بأنه يقدم وظيفة تمثيله لحدث، وهذا ما اشتغل عليه السيناريست اندرو نيكول، ليقدم اشتغالاته لما تؤول إليه أحداث الفيلم في مستوياته النصية، مع عدم نسيانه مجريات الاحداث بصريا، وكان المخرج بيتر واير قد حسم امر الاختيار فيما يتعلق بالممثلين وامكنة التصوير ومناخ الاحداث الذي يوحي بفترة الخمسينيات من خلال الازياء والمركبات وبعض التفاصيل الدقيقة والتي لها علاقة مباشرة بأحداث وتطورات الفيلم. ان استمالة الاحداث لفكرة العرض، لحركة ابطال الفيلم او البطل الرئيس، كانت كلها تشير الى ان هناك قبضة فنية عالية في ادارة الاحداث ومن ثم ربطها في الحدث والزمن الرئيسيين ضمن المتوالية المتسارعة للكشف عن مكنونات البطل والتسلل البطيء الى قناعاته من خلال الاشارات التي قدمتها له احدى المعجبات والمثابرات على متابعة حياته صوريا، وبداية دخوله منطقة الشك الذي بدأ من خلاله شعوره بعدم حقيقة كل ما يجري له. الثيمة التي اشتغل عليها المخرج، اعطت انطباعا اوليا بأن الذي يجري من احداث وتسلسل درامي محبوك انما هو استدراج للمتلقي ومحاولة ضمه الى جموع المشاهدين او المتابعين لقصة ترومان منذ كان جنينا داخل بطن امه الى حين وصوله سن الثلاثين. وليؤكد ذلك المخرج فقد اضاف المتعة وليدخلنا اللعبة والشد في تلك الثيمة والتي بنيت على نص مكتوب بإتقان. ان العرض المقدم هو ملهاة انسانية يغلفها حس الكوميديا السوداء متكئا من خلال ذلك على تطور الحدث المرافق لحياة ترومان والذي ظل طوال احداث الفيلم الحكاية الأولى له، وثم ربط كل التشكيلات الاخرى بدءا من متابعي حياة ترومان في المطاعم والمقاهي والشوارع وحتى الذي يجلس في الحمام يتابع تلك الاحداث من خلال شاشة تم ربطها بقاعدة تحكم تملك المئات من الكاميرات المزروعة في كل مكان في المدينة الافتراضية التي جرت عليها احداث حياة ترومان. كان المخرج متفهما لعملية التخطيط المتقن التي وردت في اوراق السيناريو، وهي مزيج من عرض لحياة انسان من نشأته حتى تمرده بإسلوب العرض المعلن والذي يوحي من تقديمه لنماذجه انما هو عمل وحدث قد تم الاتفاق عليه مسبقا، وحتى لا يضع المخرج المتلقي في حيرة مما يجري، تقرب كثيرا من مسألة ان الاحداث مبتدعة ولا تخلو من فنطازيا بصرية وطروحات فكرية قد تحيل المتلقي الى البحث عن اشارات ودلالات تفضح المرامي التي ينشدها الفيلم، خاصة حين يكون الانسان اقرب الى فأر تجارب، ومتسودع لتدوين ماتراه المؤسسة المسؤولة عن نشأته وتنميته وحتى انفاسه، وماهو مناسب لها لتمرير ماتوّد تمريره لتحصين طروحاتها بإطار انساني حتى تتمكن من الاستيلاء على الاخر ومحاولة صنع نموذج مسخ لتداوله كأي سلعة في الاسواق العادية. الاختيار الرائع لمكان التصوير، كان هدفا جماليا ناقدا، اذ كانت المدينة المفترضة والتي يطلق عليها اسم سيهافين، مدينة توحي بالعزلة والانطواء تنتهي عند تخوم البحر وتنتهي من جانبها الاخر بالغابة، نظيفة وهادئة جدا، لايبدو عليها وانت تراها من مكان عال بأنها مأهولة، تعطي انطباعا بأنها مدينة فاضلة تم تعميمها وفق هذا المبدأ، الاشخاص فيها يتحركون بالاشارة والتوجيه وكأنهم خلقوا ليكونوا الصورة المتطابقة لترومان او يشكلون جزءاً مهما من وجوده البصري، وليتأكد بأنه وسط مجتمع تم تقنينه ليكون مكملا لكل تحركاته. مدينة تحركها حياة ترومان، من خلال كاميرات مزروعة في كل مكان تفتقر للروح، ليس فيها معالم توحي بأنها بشرية، هي مدينة ملفقة اقترحها مبتكرها لتكون حدثا اعلاميا يستمتع به الجمهور على مدار مساحاتها التي تغطي نصف الكرة الارضية، والذين يسكنونها مجرد ممثلين يؤدون ادوارا ممسوخة وتقليدية ليكونوا جزءاً من الصورة العامة لترومان. التقاطعات، المساحات، اشارات الضوء المصنعة للمرور، الحدائق ، البيوت، الشوارع الصغيرة والمتقطعة، حالات الدخول والخروج، المكتبة التي تبتاع ترومان صحيفته ومجلته، الكلب الذي يشاكسه وهو صاحبه المسن، البحر، والزورق الذي يحاول من خلاله الهروب، واصطناع العاصفة، واصطدامه بجدار مرسوم بعناية يمثل المدى البعيد لحلم ترومان يظهر فيما بعد وهو يتحسسه بكفه مجرد ديكور لسماء مفتوحة لكنها مرسومة بعناية، الامن سلم على شكل هرم يتسلقه بحذر لينتهي بباب مظلم على الخارج وكأنه يوحي بنهاية سوداء مبتورة لا تفضي الى شيء. ان صناعة الحياة وفق معايير بشرية، لا تخلو من صفة الاحتكار والاستغلال هي محاولة بشعة لطمس معالم الانسان من حيث نشأته الحرة والتي لاتحتاج الى مكملات لتبدو اكثر حيوية، وولوج هذا الامر بات من الصعوبة ان يرتهن الانسان او يخضع لفلتر المؤسسة او المنظمة او اي كائن احتكاري، لان انكسار الانسان في بدايته او نهايته انما هو الغاء

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram