شاكر النابلسي ينكر بعض المفكرين، من أن المثقفين العرب بشكل عام، كانوا من طلاب الوحدة. ويؤكدون، أن كثيراً من المثقفين العرب، كـانوا غير مكترثين بأهمية الوحدة، بل هم كـانوا عقبة في وجه الوحـدة، ويستشهدون بصدام عبد الناصر مع المثقفين، في تجربة الوحدة المصرية- السورية.
وكما قال السياسي اللبناني منح الصلح فإن "الشارع العربي كان إلى جانب الوحدة وليس المثقفين.. وأن الناصرية بحد ذاتها كانت حركة شعبية، والمثقفون لم يكونوا على علاقة جيدة معها." وهنا يبرز سؤال: من هو الشارع العربي، الذي يُقْسَم إلى شعب عاقل ورعاع ثائرة عاطفية، تجري وراء مشاعرها أكثر من أن تستمع إلى عقلها، كما سبق وقال المفكر والمصلح الديني والسياسي المصري خالد محمد خالد في تفريقه بين "الشعب"، و"الرعاع"، في معرض تقويمه عهد عبد الناصر، وقوله، أن عبد الناصر كان شغوفاً برُعاعه العاطفية، لا بشعبه العقلاني. (أنظر: شاكر النابلسي، "ثورة التراث.. دراسة في فكر خالد محمد خالد"، ص 422). أما لماذا لم يكن المثقفون على علاقة جيدة مع الحركة الناصرية فلم يقل منح الصلح لنا السبب. والسبب كما هو معروف تاريخياً أن الحركة الناصرية، قد صادرت الحريات السياسية والفكرية، وحجبت الديمقراطية، ووضعت المثقفين المعارضين من يمين ويسـار في سجونها، وقتلت بعضهم.(أنظر: حسين مؤنس، "باشوات وسوبر باشوات". وأيضاً: شفيق مقار، "قتلُ مصر". وأنظر كذلك: خالد محمد خالد، "من يحرس الديمقراطية.. الجمهور أم الشعب؟") وكان خالد يعني بالجمهور الرعاع. من هو الوحدوي؟ يعتبر بعض المفكرين القوميين كاللبناني نديم البيطار، أن الوحدوي هو "من يضع دولة الوحدة فوق وقبل كل شيء. يقيس بها كل عمل ثوري، كل خطوة ثورية، كل تحول، كل تكتيك ثوري. إنه لا يقيس أي شيء في ضوء مقاييس ثورية مجردة، بل بقدر ما يؤديه ذلك للدولة الواحدة، بدرجة الدفع الذي يحققه في هذا السبيل." (" من التجزئة إلى الوحدة"، ص382 ). طريق القوّة إلى الوحدة وفي النصف الأول من القرن العشرين، طرح المفكرون العرب وسائل عديدة لتحقيق الوحدة العربية، منها وسائل عسكرية؛ أي أن تتم الوحدة تحت راية قائد عظيم، يُخضع الشعوب العربية - بحد السيف - للوحدة العربية بدافع من المطمح الشخصي، والحافز الديني، أو الحافز القومي، أو الحافز التوسعي، مع وجود أفراد ومؤسسات، تدعو إلى الوحدة بمختلف الوسائل الحربية، أو السياسية. وقد أيَّد ساطع الحصري (شيخ الوحدة العربية الأكبر) الدور العسكري في تحقيق الوحدة العربية في النصف الأول من القرن العشرين. استطلاعٌ دالٌّ وبليغ وفي عـام 1980 جرى استطلاعٌ علميٌ دالٌ وبليغ– لأول مرة - للرأي العام العربي في مسألة الوحدة بإشراف عالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم، ووُجه السؤال التالي للذين شملهم هذا الاستطلاع: على أي أساس ترغبون أو تفضلون إقامة الوحدة العربية؟ فكانت الإجابات التالية: 36% يوافقون بشدة على قيام الوحدة على أساس عربي إسلامي. 26 % يوافقون على المشروع ذاته. 33 % يوافقون بشدة على قيام الوحدة على أساس عَلْماني. 34 % يوافقون على المشروع ذاته. 44 % يوافقون بشدة على التدرج في الوحدة (تنسيق، اتحاد فيدرالي، وحدة). 38 % يوافقون على المشروع ذاته. 36 % يرغبون في تحقيق الوحدة في أمد قصير (5 سنوات). 41 % يرغبون في تحقيقها في الأمد المتوسط (10 سنوات). 23 % يرغبون في تحقيقها في الأمد الطويل (20 سنة). وعلينا أن نلاحظ هنا، أن النسبتين الأولى والثانية جاءتا في شهر يناير/ كانون الثاني من عام 1980، وهي الفترة التي سبقت اغتيال السادات في أكتوبر/ تشرين الأول مـن العام نفسه. وهي كذلك الفترة التي شهدت صعود نجم الحركات الإسلامية/السياسية، وأدَّت إلى مقتل السادات فيما بعد. ولو أُعيد هذا الاستطلاع في التسعينيات، وبعد أن قامت الجماعات الإسلامية المسلحة بما قامت به في مصر والجزائر واليمن وغيرها، من أعمال قتل انتحارية وإرهابية، لما حاز قيام الوحدة العربية على أساس إسلامي بهـذه النسبـة. (أنظر:سعد الدين إبراهيم، " اتجاهات الرأي العام العربي في مسألة الوحدة"، ص 136- 156). نعم للاتحاد الفيدرالي فقط وهذه الأرقام وغيرها من الأرقام الكاشفـة، كان يجب أن نهتدي بها جميعاً عند النظر في موضوع الوحدة العربية، وعلى أي أساس يجب أن تقوم، سيما وأن أحد سيناريوهات الوحدة الواقعية، ومشهدها العقلاني المتجدد، في نهاية الثمانينيات (1987-1988) كـان هو الاتحـاد الفيدرالي الذي يكتفي بوجود سياسة خارجية واحدة، وجيش واحد، وعملة واحدة، ونظام تعليمي واحد. وهنا، لا بد من أن نلاحظ أيضاً، أنه لا يُشترط النظام التعليمي الواحد في الاتحاد الفيدرالي، بل إن الخصوصية والحرية والمرونة في أنظمة التعليم المختلفة في الولايات ضمن الاتحاد الفيدرالي مهمة، ومن مكملات الخصوصية لكل ولاية، سيما في حال الولايات العربية، التي تتميز عن بعضها في تركيبها الاجتماعي، الذي يتطلب في بعض الأحيان التركيز على التعليم الديني والمواد الدينية، كحال التعليم في الخليج العربي عموماً، والتركيز أكث
الوحدة بين طبيخ الصالونات السياسية والاستفتاء الشعبي
نشر في: 16 ديسمبر, 2009: 04:21 م