باسم عبدالحميد حمودي لاتزال الدراسات القصيرة المتفرقة التي كتبت عن الاديب العراقي محمود السيد قليلة لاتصلح الاّ ان تعطينا وجيلنا الصاعد ثمارا قليلة، امام نهضة شعرية عراقية اصيلة لها ظروفها الموضوعية. مازلنا نبحث حتى الان عن قصة عراقية بمستوى ما يقال من شعر، غافلين في الوقت ذاته عن الانطلاقة الرائعة المهمة التي بدأها محمود السيد هنا في العراق ايام توفيق الحكيم يكتب في مصر (عودة الروح)،
وقد كان منتظرا ان يستمر التوافق الطردي فيترسخ كيان القصة العراقية وتتوضح معالمها وكان منتظرا ايضا ان نجد اعمالا عراقية قصصية كاملة ودراسات نقدية واسعة.. ولكننا نفتقر الى كل هذا ولست في مجال ذكر الاسباب. ان نفحة خضراء وخيط شعاع رهيف واستعراضا لحياة الاديب الرائد محمود السيد لتوضح بثقة ان الرجل قد وضع اسس مدرسة قصصية عراقية المعالم من ناحية المضمون وان اختلفت بناء، انها المدرسة العراقية الاولى، مدرسة القصة الكلاسيكية المعتمدة على السرد بناء بوجه عام وعلى الرومانسية الممتزجة بالواقع مضمونا.. انها مدرسة عبدالمجيد لطفي وانور شاؤول وجعفر الخليلي وذي النون ايوب على اختلاف القيم والمثل، رائدها هذا الشاب البغدادي الخجول الموسوس الذي وضع لبنات طيبة لبناء رواية عراقية منذ مايقارب الاربعين عاما وترك الطريق ممهدا معبدا لمن بعده، كي يتموا البناء الذي مازل ينتظر.. وتنتظر معه جماهيره.. الى فتية البلاد المستعدة للجهاد في سبيل الحق والحرية، مثلها الاعلى يحدوها الامل الذي لاتقوى على تحطيمه قوة في الارض.. بهذه الكلمات قدم لنا محمود السيد مجموعة اقاصيصه الخامسة (الطلائع) التي صدرت عام 1929، وقد كان للظروف التاريخية الحاسمة التي يمر بها العراق في تلك الفترة اثرها الحاسم في تصميم هذه الكلمات المؤمنة بالشعب الذي كان يقاسي عسف الاستعمار وسيطرته التي تخفت بداية تحت ستار الانتداب ثم برقعت عملية استغلالها البشعة لشعب ثورة العشرين ببرقع الاستقلال المزيف الذي ابقى المواد المحروقة السود في داخل المدخنة واكتفى بترميم وتبييض مظهرها الخارجي، لقد كانت (الاحوال) غير مستقرة وكان لهذه اثرها البالغ في تحديد مهمة السيد الادبية. ولد السيد في عام 1901 وكانت الأعوام الستة والثلاثين التي قضاها متمشية بنسبة طردية مع نتاجه الذي لم ير النور منه الا ست مجموعات، الثلاث الاولى منها عالج فيها فن الرواية متأثرا بالمرحوم سليمان فيضي (خصوصا في قصة النكبات) مؤلف الرواية الايقاظية سنة 1919 التي يبدو فيها عامل الوعظ واضحا ومثيرا للاعصاب.. ولكنها على كل حال انطلاقة. كانت اولى اعمال السيد (في سبيل الزواج) التي طبعها في مصر سنة 1921 واصفا اياها بأنها (مسرحية شرقية هندية) وقبل ان استعرض بايجاز احداث القصة اوّد ان اقارن بين سبب اختيار السيد للهند في هذه المسرحية ميدانا لمسرحيته وبين اختيارها من قبل ذي النون ايوب ميدانا لمجموعته القصصية (العقل في محنته) فسبب السيد اجتماعي اما دافع ايوب فهو سياسي ولست ادري ما الذي جعل الميدان.. عند الاثنين.. الهند بالذات، الاّ انه يمكن تعليل ذلك بالنسبة لايوب، بسبب قراءاته الواسعة المتنوعة وعدم ملاءمة الظروف السياسية وقتذاك له ليكتب عن العراق، اما السيد فان زيارته للهند هي التي ربطت احداث مسرحيته بمكانها. ومجمل المسرحية: تنافس اثنان على حب فتاة وكان احدهما رئيس عصابة في جبل ما، مرهوب الجانب يخافه الناس، والثاني شاب مقدام لايخيفه هذا الشخص بل يحفزه جبروته ومنافسته في الرجوع الى حبيبته حيث يراها ماتت حزنا عليه. كان عمر السيد آنذاك لايزيد على الحادي والعشرين عاما، ورغم سذاجة الفكرة فان هذه الرواية – ومن بعدها مصير الضعفاء والنكبات- قد حضيت بالانتشار السريع والنفاد المطلق في اسواق عراق تلك الايام والسبب في ذلك راجع الى ندرة النتاج الروائي والقصصي مما شجع السيد على مواصلة النتاج حيث نشر مجموعتيه الاخريين في سنة واحدة (1922) اي بعد سنة واحدة فقط من صدور مجموعته الاولى، وبالرغم من ابتعاد (في سبيل الزواج) عن واقع العراق في ذلك الحين فاننا نجد في (مصير الضعفاء) استجابة واضحة لذلك الواقع، فهي تعطينا فكرة لابأس بها عن ظلم الاتراك وطغيانهم. العثمانيون الذين ذاق العراق المزيد من العسف على ايديهم قبل مجيء الانكليز الى العراق عام 1914 حيث زادوا في الطين بلة كما يقال. وبالرغم من الفجوات الكثيرة من ناحية السبك الروائي فاننا نعدها تجاوبا فعليا مع واقع عراقنا حينذاك. اما رواية (النكبات) فيبدو لنا ان محمود السيد قد وضع على رأسه عمامة الوعظ وبدأ ينصح بعض موظفي إحدى الدوائر الحكومية بعدم شرب الخمرة والتبغ والشاي وعدم البصاق على الارض، على لسان بطلها الذي يدير اصحابه.. زملاؤه الموظفون وضعوا الخطط لكي يخرجوه من عمله، وبالرغم من عمامة الواعظ التي ارتداها السيد في شخص بطله وسخيف الافكار التي حاول ان يوضحها، فأن نهايتها غير الهادفة التي انتهت بفصل هذا الموظف من ان ينتصر، تعد انتكاسة تستوقف النظر. بقي تعليلان لموقف البطل، اولهما ما ذكره الاستاذ زهير احمد، نقلا عن المرحوم ابراهيم صالح شكر من رهافة ذوق السيد ووسوسته واهتمامه بالنظافة مما ينطبق ونفسية بطله، وثانيهما يمكن ان يوصف بموقف دفاعي يتخذه البطل كتكتيك لمهاجمة زملائه المهاجمين له فينتقد عاداتهم وينصحهم بترك (السيئات) ال
محمود احمد السيد المدرسة العراقية الاولى في القصة
نشر في: 16 ديسمبر, 2009: 05:30 م